غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

101

ثم ذكر أن هؤلاء الجهال مع ما تقدم من أنواع المبالغة في الإعذار والإنذار والترغيب والترهيب لم ينتفعوا بشيء منه بل أصروا على جهالتهم وضلالتهم فلا تبالوا بهم أيها المؤمنون ، فإن جهلهم لا يضركم إذا كنتم منقادين لتكاليف الله مطيعين لأوامره ونواهيه . تقول العرب : عليك زيداً وعندك عمراً يعدّونهما إلى المفعول كأنه قيل : خذ زيداً فقد علاك أي أشرف عليك وحضرك عمرو فخذه . وليس المراد في عليك أنه حرف جر مع مجروره متعلق بمحذوف ، بل الجار والمجرور معاً منقول إلى معنى الفعل نقل الأعلام ولهذا سمي أسم فعل . فإن قيل : ظاهر الآية يوهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس بواجب ، فالجواب المنع فإن الآية لا تدل إلا على أن المطيع لربه غير مؤاخذ بذنب العاصي وهذا خطب أبو بكر فقال : إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضوعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إذا رأوا المنكر فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب » وعن عبد الله بن المبارك أن هذه الآية آكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن معنى { عليكم أنفسكم } احفظوها والزموا صلاحها بأن يعظ بعضكم بعضاً ويرغبه في الخيرات وينفره عن القبائح والسيئات { لا يضركم } ضلال { من ضل إذا اهتديتم } فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فإنكم خرجتم عن عهدة تكليفكم كما قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } [ النساء :84 ] وقيل : إن الآية مخصوصة بما إذا خاف الإنسان عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نفسه أو على عرضه أو على ماله . وكان ابن شبرمة يقول : من فرَّ من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فلم يفر . وقيل : إنها مختصة بالكفار الذين علم الله أنه لا ينفعهم الوعظ ، يؤكده ما روي في سبب النزول عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقر مجوس هجر بالجزية قال منافقو العرب : عجباً من محمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ولا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلا نراه إلا قد قبل من مشركي أهل هجر ما رد على مشركي العرب فأنزل الله تعالى الآية أي لا يضركم ملامة اللائمين إذا كنتم على الهدى والحق . وقيل : كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العناد من الكفرة فنزلت تسلية لهم كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] وعن ابن مسعود أن الآية قرئت عنده فقال : إن هذا في آخر الزمان . ومثله ما روي عن أبي ثعلبة الخشني أنه سئل عن ذلك فقال للسائل : سألت عنها خبيراً سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : «ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا ما رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام ، وإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن كقبض على الجمر للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله . وقيل : كان الرجل إذا أسلم قالوا له : سفهت آباءك ولاموه فنزلت .

/خ120