قوله { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } الآية [ 102 ] .
( والمعنى ) {[18381]} : عليكم أنفسكم [ إذا ] {[18382]} أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم {[18383]} .
وقال ابن عمر : هذه لأقوام {[18384]} يأتون بعدنا ، إن قالوا لم يُقبل منهم ، وأما نحن فقد قال رسول الله : ليُبَلِّغ الشاهد / الغائبَ ، فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب {[18385]} .
وحكى جبير بن نفير {[18386]} عن جماعة من أصحاب النبي أنهم قالوا له في هذه الآية : عسى {[18387]} أن تدرك ذلك الزمان ، إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا وإعجاب {[18388]} كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت {[18389]} .
وقال ابن مسعود : لما يجئ {[18390]} تأويل هذه بعد ، إن القرآن أُنزل {[18391]} حيث أنزل ، منه آيٌ {[18392]} قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن {[18393]} ، ومنه آي {[18394]} وقع تأويلهن على عهد النبي ، ومنه آي {[18395]} قد وقع تأويلهن بعد النبي بيسير ، ومنه آي {[18396]} قد وقد تأويلهن يوم الحساب ، فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تُلبَسوا شيعا ، ولم ( يَذُق بعضكم ) {[18397]} بأس بعض ، فأمر بالمعروف وانْهُوا {[18398]} عن المنكر . وإذا اختلفت الأقوال والأهواء ، وأُلْبِستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض فامرُؤ {[18399]} ونفسه ، عند ذلك جاء تأويل هذه الآية {[18400]} .
وقيل : هي في الكفار ، لا يضر المسلم كفر الكافر ، عليه نفسه إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر {[18401]} . وجعلها ابن عباس وغيره عامة {[18402]} ، وقال في معناها : إن العبد إذا أطاع الله فيما أمر به من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده {[18403]} . وقال ابن المسيب وغيره : معناها : لا يضركم من ضل بعد أمركم إياه ( بالمعروف ) {[18404]} ونهيكم عن المنكر {[18405]} . وروي عن أبي بكر الصديق أنه قال : يا أيها الناس لا تَغْتَرّوا بقول الله جل وعز { عليكم أنفسكم } فيقول أحدكم : ( علي نفسي ) ، والله ، لَتَأْمُرُنَّ {[18406]} بالمعروف ولَتُنْهَوُنَّ {[18407]} عن المنكر [ أو {[18408]} ] لَيَسْتَعْمِلَنَّ عليكم شراركم فَلَيَسُومُنَّكم {[18409]} سوء العذاب ، ( وَلَيَدْعُنَّ ) {[18410]} الله {[18411]} خيارُكم {[18412]} فلا يستجيب لهم {[18413]} . قال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا رأى الناس المنكر والظالم {[18414]} ، فلم يأخذوا على يديه ، فيوشك أن يَعُمَّهم الله بعقابه {[18415]} " .
وقال ابن جبير : معناها : لا يضرُّكُم من كفر بالله من أهل الكتاب ، فإنما {[18416]} عليكم أنفسكم ، وليس يضركم {[18417]} كفر الكافر {[18418]} .
( و ) {[18419]} قال ابن زيد : كان الرجل إذا أسلم {[18420]} قال له أهل دينه الذي كان عليه : سفَّهتَ آباءك {[18421]} وضللتهم {[18422]} ، وفعلت [ بآبائك ] {[18423]} . كذا وكذا ، وكان ينبغي لك أن تنصر [ آباءك ] {[18424]} ، فأنزل الله : { لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } الآية {[18425]} ، ( أي ) {[18426]} إنما عليكم أنفسكم ، وليس عليكم من ضلالة آبائكم شيء .
وقد قيل : إن ذلك في الأمر ، أمروا {[18427]} بأنفسهم ، وأُعلِموا أنهم لا يضرهم ارتداد من ارتد ، ولا كفر من كفر {[18428]} . وقيل : الآية {[18429]} منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {[18430]} .
والاختيار عند أهل المنظر أن يكون المعنى : لا يضرّكم من ضل بعد أمركم إياه بالمعروف ونهيكم له عن المنكر ، وإنما ذلك لأن الله أمر المؤمنين بالقيام بالقسط ، وأن يتعاونوا على البر والتقوى ، ومن القيام بالقسط : الأخذ على يدي {[18431]} الظالم ، ومن التعاون على البر والتقوى : الأمر بالمعروف وليس في ذلك رخصة إلا العجز عن القيام بها {[18432]} . ومعنى { إذا اهتديتم } : إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، فليس يضركم من ضل بعد ذلك {[18433]} .
وقد قال الله {[18434]} تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر } {[18435]} ، وذم اليهود فقال : { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } {[18436]}/ ولعنهم على تركهم {[18437]} {[18438]} الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {[18439]} ، وأجمع أهل العلم على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض يجب {[18440]} على الأمراء ، ويُعينُ على ذلك المؤمنون إذا احتيج ( إليهم ) {[18441]} ، وبعض الناس يحمله {[18442]} عن بعض : كالجهاد ، فهذا إجماع {[18443]} العلماء {[18444]} ويجب على الإنسان – في النظر والقياس – أن يأمر من ضيع شيئا من الخير بما يأمر به نفسه ، وينهى عن الشر كما ينهى عنه نفسه . وكل شيء وجب لك {[18445]} فعله ، وجب عليك الأمر به [ أو {[18446]} النهي عنه . والأمر بالمعروف هو النهي عن المنكر ] {[18447]} ، لأن ترك المنكر معروف وترك المعروف منكر {[18448]} .
قوله : { إلى الله مرجعكم جميعا } أي : إليه تردون فيحكم بينكم فيما أمرتم به فلم يقبل منكم ، أو نهيتهم عنه ، فينتقم من المتَعدِّي {[18449]} على محارمه ، ويجازي الدال على مرضاته {[18450]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.