الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

قوله { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } الآية [ 102 ] .

( والمعنى ) {[18381]} : عليكم أنفسكم [ إذا ] {[18382]} أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم {[18383]} .

وقال ابن عمر : هذه لأقوام {[18384]} يأتون بعدنا ، إن قالوا لم يُقبل منهم ، وأما نحن فقد قال رسول الله : ليُبَلِّغ الشاهد / الغائبَ ، فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب {[18385]} .

وحكى جبير بن نفير {[18386]} عن جماعة من أصحاب النبي أنهم قالوا له في هذه الآية : عسى {[18387]} أن تدرك ذلك الزمان ، إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا وإعجاب {[18388]} كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت {[18389]} .

وقال ابن مسعود : لما يجئ {[18390]} تأويل هذه بعد ، إن القرآن أُنزل {[18391]} حيث أنزل ، منه آيٌ {[18392]} قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن {[18393]} ، ومنه آي {[18394]} وقع تأويلهن على عهد النبي ، ومنه آي {[18395]} قد وقع تأويلهن بعد النبي بيسير ، ومنه آي {[18396]} قد وقد تأويلهن يوم الحساب ، فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تُلبَسوا شيعا ، ولم ( يَذُق بعضكم ) {[18397]} بأس بعض ، فأمر بالمعروف وانْهُوا {[18398]} عن المنكر . وإذا اختلفت الأقوال والأهواء ، وأُلْبِستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض فامرُؤ {[18399]} ونفسه ، عند ذلك جاء تأويل هذه الآية {[18400]} .

وقيل : هي في الكفار ، لا يضر المسلم كفر الكافر ، عليه نفسه إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر {[18401]} . وجعلها ابن عباس وغيره عامة {[18402]} ، وقال في معناها : إن العبد إذا أطاع الله فيما أمر به من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده {[18403]} . وقال ابن المسيب وغيره : معناها : لا يضركم من ضل بعد أمركم إياه ( بالمعروف ) {[18404]} ونهيكم عن المنكر {[18405]} . وروي عن أبي بكر الصديق أنه قال : يا أيها الناس لا تَغْتَرّوا بقول الله جل وعز { عليكم أنفسكم } فيقول أحدكم : ( علي نفسي ) ، والله ، لَتَأْمُرُنَّ {[18406]} بالمعروف ولَتُنْهَوُنَّ {[18407]} عن المنكر [ أو {[18408]} ] لَيَسْتَعْمِلَنَّ عليكم شراركم فَلَيَسُومُنَّكم {[18409]} سوء العذاب ، ( وَلَيَدْعُنَّ ) {[18410]} الله {[18411]} خيارُكم {[18412]} فلا يستجيب لهم {[18413]} . قال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا رأى الناس المنكر والظالم {[18414]} ، فلم يأخذوا على يديه ، فيوشك أن يَعُمَّهم الله بعقابه {[18415]} " .

وقال ابن جبير : معناها : لا يضرُّكُم من كفر بالله من أهل الكتاب ، فإنما {[18416]} عليكم أنفسكم ، وليس يضركم {[18417]} كفر الكافر {[18418]} .

( و ) {[18419]} قال ابن زيد : كان الرجل إذا أسلم {[18420]} قال له أهل دينه الذي كان عليه : سفَّهتَ آباءك {[18421]} وضللتهم {[18422]} ، وفعلت [ بآبائك ] {[18423]} . كذا وكذا ، وكان ينبغي لك أن تنصر [ آباءك ] {[18424]} ، فأنزل الله : { لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } الآية {[18425]} ، ( أي ) {[18426]} إنما عليكم أنفسكم ، وليس عليكم من ضلالة آبائكم شيء .

وقد قيل : إن ذلك في الأمر ، أمروا {[18427]} بأنفسهم ، وأُعلِموا أنهم لا يضرهم ارتداد من ارتد ، ولا كفر من كفر {[18428]} . وقيل : الآية {[18429]} منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {[18430]} .

والاختيار عند أهل المنظر أن يكون المعنى : لا يضرّكم من ضل بعد أمركم إياه بالمعروف ونهيكم له عن المنكر ، وإنما ذلك لأن الله أمر المؤمنين بالقيام بالقسط ، وأن يتعاونوا على البر والتقوى ، ومن القيام بالقسط : الأخذ على يدي {[18431]} الظالم ، ومن التعاون على البر والتقوى : الأمر بالمعروف وليس في ذلك رخصة إلا العجز عن القيام بها {[18432]} . ومعنى { إذا اهتديتم } : إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، فليس يضركم من ضل بعد ذلك {[18433]} .

وقد قال الله {[18434]} تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر } {[18435]} ، وذم اليهود فقال : { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } {[18436]}/ ولعنهم على تركهم {[18437]} {[18438]} الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {[18439]} ، وأجمع أهل العلم على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض يجب {[18440]} على الأمراء ، ويُعينُ على ذلك المؤمنون إذا احتيج ( إليهم ) {[18441]} ، وبعض الناس يحمله {[18442]} عن بعض : كالجهاد ، فهذا إجماع {[18443]} العلماء {[18444]} ويجب على الإنسان – في النظر والقياس – أن يأمر من ضيع شيئا من الخير بما يأمر به نفسه ، وينهى عن الشر كما ينهى عنه نفسه . وكل شيء وجب لك {[18445]} فعله ، وجب عليك الأمر به [ أو {[18446]} النهي عنه . والأمر بالمعروف هو النهي عن المنكر ] {[18447]} ، لأن ترك المنكر معروف وترك المعروف منكر {[18448]} .

قوله : { إلى الله مرجعكم جميعا } أي : إليه تردون فيحكم بينكم فيما أمرتم به فلم يقبل منكم ، أو نهيتهم عنه ، فينتقم من المتَعدِّي {[18449]} على محارمه ، ويجازي الدال على مرضاته {[18450]} .


[18381]:مخرومة في أ.
[18382]:أ: اذ.
[18383]:انظر: تفسير الطبري 11/138. و(قيل: هو قول ابن مسعود) في ناسخ مكي 274.
[18384]:مخرومة في أ. ب: الاقوام.
[18385]:انظر: تفسير الطبري 11/139.
[18386]:مخرومة في أ. وهو جبير بن نفير بن مالك الخضرمي الحمصي، ثقة مخضرم لابيه صحبة. توفي سنة 80 هـ. انظر: التقريب 1/126.
[18387]:ج د: عمى الله.
[18388]:ب: اصحاب.
[18389]:مخرومة الآخر في أ. ب: اهتديتم. وانظر: تفسير الطبري 1/142 و143، وفيه تفصيل ما اختصر هنا.
[18390]:ب: يحبئ من غير نقطة الباء.
[18391]:ج: نزل.
[18392]:ب ج د: أي.
[18393]:ج د: ينزل.
[18394]:ب ج د: أي.
[18395]:ب ج د: أي.
[18396]:ب ج د: أي.
[18397]:د: تدق بعصكم.
[18398]:د: نهوا.
[18399]:ب ج د: فامروا.
[18400]:انظر: تفسير الطبري 11/143، 144، وناسخ ابن العربي 2/205 و206.
[18401]:هو قول ابن جبير وابن زيد في تفسير الطبري 11/152.
[18402]:وهو رأي صفوان والضحاك والحسن أيضا في تفسير الطبري 11/147، 148.
[18403]:انظر: تفسير الطبري 11/148.
[18404]:ساقطة من ب ج د.
[18405]:انظر: تفسير الطبري 11/148.
[18406]:ب: لتامرون.
[18407]:ج د: تنهون.
[18408]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها: له ر. ب ج د: و.
[18409]:ج د: فليسو مونكم.
[18410]:ب ج د: ثم ليدعون.
[18411]:ب: احد.
[18412]:مطموسة في أ.
[18413]:مطموسة في أ. وانظر: تفسير الطبري 11/149، ونسبه ابن سلامة في ناسخه ص 82 إلى رسول الله.
[18414]:ب: الظلم.
[18415]:انظر: تفسير الطبري 11/150.
[18416]:ج د: وإنما.
[18417]:د: يصركم.
[18418]:انظر: تفسير الطبري 11/152.
[18419]:ساقطة من ب ج د.
[18420]:ج: سلم.
[18421]:ب د: اباك.
[18422]:ج د: اضللتهم.
[18423]:أ ب: بابيك.
[18424]:أ ب د: اباك.
[18425]:انظر: تفسير الطبري 11/152.
[18426]:ساقطة من ب ج د.
[18427]:ب: امورا.
[18428]:وهذا قريب جدا ممن جعلها عامة، وانظر: قول ابن جبير السابق قبل قليل، وانظر: أيضا ناسخ مكي 275، ونواسخ القرآن 149 وما بعدها حيث دافع عن إحكامها بأدلة أربعة.
[18429]:ب: لأنه.
[18430]:قال ابن حزم في ناسخه 36: (نسخ آخرها أولها، والناسخ منها قوله تعالى: {إذا اهتديتم}، والهدى هاهنا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس في كتاب الله آية جمعت الناسخ والمنسوخ إلا هذه الآية) وانظر: ناسخ مكي 274. وفي ناسخ ابن سلامة 81 و82 كما في ناسخ ابن حزم، إلا أنه نسب الجملة المبتدئة بقوله: (وليس في كتاب الله...) إلى القاسم بن سلام ثم علق عليها بقوله: (ليس كما قال، بل في كتاب الله هذه الآية وغيرها)، وانظر: كذلك رد قول القاسم بن سلام في نواسخ القرآن 149.
[18431]:ب د: يد.
[18432]:(بالجوارح الطاهرة...إذا قام حينئذ بأداء فرض الله عليه في ذلك بقلبه) تفسير الطبري 11/153.
[18433]:انظر: تفسير الطبري 11/152 و153، وفيه تفصيل ما اختصر هنا، وانظر: أيضا تفسير المائدة 362، والتفسير الكبير 12/112 و113.
[18434]:ساقطة من ب ج د.
[18435]:آل عمران: 104.
[18436]:المائدة: 81.
[18437]:ج د: ترك.
[18438]:?????
[18439]:انظر : شرح آية المائدة ضمن هذا التفسير.
[18440]:ب: يحب.
[18441]:ساقطة من ب ج د.
[18442]:ب: يحمله.
[18443]:ب: اجتماع.
[18444]:ب ج د: للعلماء. وانظر: أحكام ابن العربي 709، 710، والتحرير 7/77، 78.
[18445]:ب ج د: عليك.
[18446]:ب: و.
[18447]:ساقطة من أ.
[18448]:انظر: الحديث عن معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإجماع على وجوبه وشروط القيام به، مصحوبا بمختلف الآثار تحفة المريد 202 و203. قال مكي في معرض شرح آية آلأ عمران المذكورة قبل قليل: (وأصل المعروف: هو فعل كل ما كان مستحسنا جميلا غير مستقبح) انظر: تحقيق تفسير آل عمران والنساء: 131.
[18449]:ب: المتعد.
[18450]:انظر: تفسير الطبري 11/153 و154.