التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

قوله تعالى :

( يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )

قال الشيخ الشنقيطي : قد يتوهَّم الجاهلُ من ظاهر هذه الآية الكريمة عدمَ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده ، فلم يقبل منه المأمور ، وذلك في قوله : ( إذا اهتديتم ) ، لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد . ومما يدل على أنَّ تارك الأمر بالمعروف غيرُ مهتدٍ ؛ أن الله تعالى أقسم أنه في خُسْرٍ في قوله تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) . فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبعدَ أداءِ الواجبِ لا يضرُّ الآمرَ ضلالُ من ضَلَّ . وقد دلت الآيات كقوله تعالى ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منك خاصة ) ، والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف ، ولم ينهوا عن المنكر ، عمهم الله بعذاب من عنده .

قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع عن سفيان . ح وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، كلاهما عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب . وهذا حديث أبي بكر . قال : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ، فقام إليه رجل فقال : الصلاة قبل الخطبة . فقال : قد ترك ما هنالك . فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكرا فليُغيِّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .

( الصحيح : 1/69ح49-ك الإيمان ، ب بيان كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان . . . ) .

قال ابن ماجة : حدثنا علي بن محمد ، ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبيد الله بن جرير ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، هم أعز منهم وأمنع ، لا يُغيِّرون ، إلا عَمَّهم الله بعقاب " .

( السنن : ح 4009-الفتن ، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ، وأخرجه أحمد وأبو داود من طريقين ، عن جرير به نحوه ( المسند : 4/366 ، 364 ، 363 ، 361 ) ، ( السنن : 4/122- -الملاحم ، ب الأمر والنهي ) ، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق كذلك ، وصححه ابن حبان ( الإحسان : 1/259ح300 ) ، وأيضا صححه الألباني ( صحيح الجامع : رقم 5749 ) ، وحسنه السيوطي ( الجامع الصغير مع فيض القدير : 5/493ح8085 ) .

قال أبو داود : حدثنا وهب بن بقية ، عن خالد . ح وثنا عمرو بن عون ، أخبرنا هشيم المعني ، عن إسماعيل ، عن قيس ، قال : قال أبو بكر بعد أن حَمِد الله وأثنى عليه : يا أيها الناس ، إنكم تقرأون هذه الآية ، وتضعونها على غير مواضعها ، ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ، قال : عن خالد : وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب " . وقال عمرو ، عن هشيم : وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من قوم يُعمَل فيهم بالمعاصي ، ثم يقدرون على أن يُغيِّروا ، ثم لا يُغيِّروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب " .

قال أبو داود : ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة ، وقال شعبة فيه : " ما من قوم يُعمَل فيهم بالمعاصي ، هم أكثرُ مِمَّن يعمله " .

( السنن : 4 / 122 ح4338 - ك الملاحم ، 5/257ح3057 - ك التفسير ، ب ومن سورة المائدة ) ، والضياء في ( المختارة : 1 / 146 - 147 ) من طريق يزيد بن هارون . وابن ماجة ( السنن : 2 / 3271 ح 4005 - ك الفتن ، ب الآمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) من طريق ابن نمير وأبي أسامة ، كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد به ، وأخرجه أحمد ( المسند : 1 / 2 ) عن ابن نمير به ، قال محققه : إسناد صحيح ( المسند : 1/160 ) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه ( الإحسان : 1 / 261 ح 304 ) ، وأبو يعلى في ( المسند : 1/118ح 128 ) كلاهما من طريق شعبة ، عن إسماعيل به . قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وقال الألباني : صحيح ( صحيح الترمذي : ح 2448 ) ، وصحح إسناده محقق مسند أبي يعلى .

قال الطبري : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا : حدثنا عوف ، عن سوار بن شبيب قال : كنت عند ابن عمر ، إذ أتاه رجل جليد في العين ، شديد اللسان ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، نحن ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه ، وكلهم مجتهد لا يألوا ، وكلهم بغيض إليه أن يأتى دناءة ، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك ! فقال رجل من القوم : وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك ! قال : فقال الرجل : إني لست إياك أسأل ، أنا أسأل الشيخ ، فأعاد على عبد الله الحديث ، فقال عبد الله بن عمر : لعلك ترى –لا أبا لك -أني سآمرك أن تذهب أن تقتلهم ! عِظْهم وانْهَهم ، فإن عصوك فعليك بنفسك ، فإن الله تعالى يقول : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ) .

( التفسير : 11/140ح12854 ) ، ورجاله ثقات وإسناده صحيح ) .

قال ابن ماجة : حدثنا علي بن محمد ، ثنا محمد بن فضيل ، ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، أبو طوالة ، ثنا نهار العبدي ، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول : ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره ؟ فإذا لقَّن الله عبدا حُجَّته ، قال : يا رب رَجَوتُك ، ، وفَرَقْت من الناس " .

( السنن : 2/1332ح4017 - ك الفتن ، ب قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) ، وأخرجه أحمد ( المسند : 3/77 ) من طريق وهيب ، عن يحيى بن سعيد به . قال العراقي : رواه ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري بسند جيد . ( تخريج الإحياء : 3/1273ح1926 ) وقال البوصيري : إسناد صحيح . . . ( مصباح الزجاجة : 2/300 ) ، وقال الألباني : هذا إسناد جيد ( السلسلة الصحيحة : ح929 ) .

أخرج الطبري بسنده الحسن ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) يقول : أطيعوا أمري ، واحفظوا وصيَّتي .