الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتوّ والعناد من الكفرة ، يتمنون دخولهم في الإسلام ، فقيل لهم { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طرق الهدى { لاَ يَضُرُّكُمْ } الضلال عن دينكم إذا كنتم مهتدين ، كما قال عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات } [ فاطر : 8 ] وكذلك من يتأسف على ما فيه الفسقة من الفجور والمعاصي ، ولا يزال يذكر معايبهم ومناكيرهم . فهو مخاطب به ، وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن من تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد ، وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه ، وعن ابن مسعود : أنها قرئت عنده فقال : إن هذا ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة . ولكن يوشك أن يأتي زمان تأمرون فلا يقبل منكم ، فحينئذٍ عليكم أنفسكم ، فهي على هذا تسلية لمن يأمر وينهى فلا يقبل منه ، وبسط لعذره . وعنه : ليس هذا زمان تأويلها . قيل : فمتى ؟ قال : إذا جعل دونها السيف والسوط والسجن . وعن أبي ثعلبة الخشني :أنه سئل عن ذلك فقال للسائل : سألت عنها خبيراً . سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : " ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا ما رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك نفسك ودع أمر العوام . وإنّ من ورائكم أياماً الصبر فيهنّ كقبض على الجمر ، للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله " وقيل كان الرجل إذا أسلم قالوا له : سفهت آباءك ، ولاموه . فنزلت { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } عليكم : من أسماء الفعل ، بمعنى : الزموا إصلاح أنفسكم ، ولذلك جزم جوابه . وعن نافع : عليكم أنفسكم ، بالرفع . وقرىء «لا يضركم » وفيه وجهان أن يكون خبراً مرفوعاً وتنصره قراءة أبي حيوة ، «لا يضيركم » ؛ وأن يكون جواباً للأمر مجزوماً ، وإنما ضمت الراء إتباعاً لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة . والأصل : لا يضرركم ، ويجوز أن يكون نهياً ، ولا يضركم ، بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره .