أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والعدني وابن منيع والحميدي في مسانيدهم ، وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى والكجي في سننه ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والدارقطني في الأفراد ، وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، والضياء في المختارة ، عن قيس قال : قام أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أيها الناس ، إنكم تقرأون هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب » .
وأخرج ابن جرير عن قيس بن أبي حازم قال : صعد أبو بكر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إنكم لتتلون آية من كتاب الله وتعدونها رخصة ، والله ما أنزل الله في كتابه أشد منها { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله منه بعقاب " .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن جرير البجلي : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من قوم يكون بين أظهرهم رجل يعمل بالمعاصي هم أمنع منه وأعز ، ثم لا يغيرون عليه إلا أوشك أن يعمهم الله منه بعقاب " .
وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير والبغوي في معجمه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي أمية الشعباني قال " أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له : كيف تصنع في هذه الآية ؟ قال : أية آية ؟ قال : قوله { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرُّكم من ضل إذا اهتديتم } قال : أما والله لقد سألت عنها خبيراً ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً ، وهوى تبعاً ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع عنك أمر العوام ، فإن من ورائكم أيام الصبر ، الصابر فيهن مثل القابض على الحمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً ، يعملون مثل عملكم " .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي عامر الأشعري « أنه كان فيهم شيء ، فاحتبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه فقال : ما حبسك ؟ قال : يا رسول الله ، قرأت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرُّكم من ضل إذا اهتديتم } قال : فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أين ذهبتم ؟ إنما هي لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم " .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن الحسن . أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله { عليكم أنفسكم } فقال : أيها الناس ، إنه ليس بزمانها فإنها اليوم مقبولة ، ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا ، أو قال : فلا يقبل منكم ، فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن مسعود في قوله { عليكم أنفسكم . . . } الآية . قال : مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ما لم يكن من دون ذلك السوط والسيف ، فإذا كان ذلك كذلك فعليكم أنفسكم .
وأخرج عبد بن حميد ونعيم بن حماد في الفتن وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي العالية قال : كانوا عند عبدالله بن مسعود ، فوقع بين رجلين بعض ما يكون بين الناس ، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه فقال رجل من جلساء عبدالله : ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر ؟ فقال آخر إلى جنبه : عليك نفسك ، فإن الله تعالى يقول { عليكم أنفسكم } فسمعها ابن مسعود فقال : مه ! لم يجئ تأويل هذه الآية بعد ، إن القرآن أنزل حيث أنزل ، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه ما وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم ، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة ما ذكر من أمر الساعة ، ومنه آي يقع تأويلهن عند الحساب ما ذكر من أمر الحساب والجنة والنار ، فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهواؤكم واحدة ، ولم تلبسوا شيعاً ، فلم يذق بعضكم بأس بعض ، فمروا وانهوا ، فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعاً وذاق بعضكم بأس بعض فكل امرئ ونفسه ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر . أنه قيل له : أجلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ، فإن الله قال { عليكم أنفسكم } فقال : إنها ليست لي ولا لأصحابي ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا فليبلغ الشاهد الغائب " فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا ، إن قالوا لم يقبل منهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من طريق قتادة عن رجل قال : كنت في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة في حلقة فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيهم شيخ حسبت أنه قال أبي بن كعب ، فقرأ { عليكم أنفسكم } فقال : إنما تأويلها في آخر الزمان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ من طريق قتادة عن أبي مازن قال : انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة ، فإذا قوم جلوس ، فقرأ أحدهم { عليكم أنفسكم } فقال : أكثرهم : لم يجيء تأويل هذه الآية اليوم .
وأخرج ابن جرير عن جبير بن نفير قال : كنت في حلقة فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإني لأصغر القوم ، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقلت : أليس الله يقول { عليكم أنفسكم } فأقبلوا علي بلسان واحد ، فقالوا : تنزع آية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها ؟ حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت ، ثم أقبلوا يتحدثون ، فلما حضر قيامهم قالوا : إنك غلام حدث السن ، وإنك نزعت آية لا تدري ماهي ، وعسى أن تدرك ذلك الزمان إذا رأيت شحاً مطاعاً ، وهوى متبعاً ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل أنه قال : « يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } قال : يا معاد ، مروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، فإذا رأيتم شحاً مطاعاً ، وهوى متبعاً ، وإعجاب كل امرئ برأيه ، فعليكم أنفسكم لا يضركم ضلالة غيركم ، فهو من ورائكم أيام صبر ، المتمسك فيها بدينه مثل القابض على الجمر ، فللعامل منهم يومئذ مثل عمل أحدكم اليوم كأجر خمسين منكم . قلت : يا رسول الله ، خمسين منهم ؟ قال : بل خمسين منكم أنتم » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : « ذكرت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . قول الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : لم يجئ تأويلها ، لا يجيء تأويلها حتى يهبط عيسى ابن مريم عليه السلام » .
وأخرج ابن مردويه عن محمد بن عبدالله التيمي عن أبي بكر الصديق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بذل ، ولا أقر قوم المنكر بين أظهرهم إلا عمهم الله بعقاب ، وما بينكم وبين أن يعمكم الله بعقاب من عنده إلا أن تأولوا هذه الآية على غير أمر بمعروف ولا نهي عن المنكر { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : خطب أبو بكر الناس فكان في خطبته قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا أيها الناس لا تتكلموا على هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } إن الذاعر ليكون في الحي فلا يمنعوه ، فيعمهم الله بعقاب » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الحسن . أنه تلا هذه الآية { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } فقال : يا لها من سعة ما أوسعها ! ويا لها ثقة ما أوثقها ! .
وأخرج أبو الشيخ عن عثمان الشحام أبي سلمة قال : « حدثني شيخ من أهل البصرة وكان له فضل وسن قال : بلغني أن داود سأل ربه قال : يا رب ، كيف لي أن أمشي لك في الأرض وأعمل لك فيها بنصح ؟ قال " يا داود ، تحب من أحبني من أحمر وأبيض ، ولا يزال شفتاك رطبتين من ذكري ، واجتنب فراش المغيب . قال : أي رب ، فكيف أن تحبني أهل الدنيا البر والفاجر ؟ قال : يا داود ، تصانع أهل الدنيا لدنياهم ، وتحب أهل الآخرة لآخرتهم ، وتجتان إليك ذنبك بيني فإنك إذا فعلت ذلك فلا يضرك من ضل إذا اهتديت " .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر . أنه جاء رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن ، نفر ستة كلهم قرأ القرآن ، وكلهم مجتهد لا يألوهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك ، فقال : لعلك ترى أني آمرك أن تذهب إليهم تقاتلهم ، عظهم وانههم ، فإن عصوك فعليك نفسك ، فإن الله تعالى يقول { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } حتى ختم الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن صفوان بن محرز . أنه أتاه رجل من أصحاب الأهواء ، فذكر له بعض أمره فقال له صفوان : ألا أدلك على خاصة الله التي خص الله بها أولياءه { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } يقول : أطيعوا أمري ، واحفظوا وصيتي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } يقول : إذا ما أطاعني العبد فيما أمرته من الحلال والحرام ، فلا يضره من ضل بعده إذا عمل بما أمرته به .
وأخرج ابن جرير من طريق قارب بينهما عن الضحاك عن ابن عباس قال : { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } ما لم يكن سيف أو سوط .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول . أن رجلاً سأله عن قول الله { عليكم أنفسكم } الآية . فقال : إن تأويل هذه الآية لم يجيء بعد ، إذا هاب الواعظ وأنكر الموعوظ ، فعليك نفسك لا يضرك حينئذ من ضل إذا اهتديت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال : إنما أنزلت هذه الآية لأن الرجل كان يسلم ويكفر أبوه ، ويسلم الرجل ويكفر أخوه ، فلما دخل قلوبهم حلاوة الإيمان دعوا آباءهم وإخوانهم ، فقالوا : حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا .
فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير أنه سئل عن هذه الآية فقال : نزلت في أهل الكتاب يقول { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل } من أهل الكتاب { إذا اهتديتم } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة في قوله { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } قال : إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله { لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } قال : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
وأخرج ابن جرير عن الحسن . أنه تلا هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } فقال : الحمد لله بها والحمد لله عليها ، ما كان مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله .
وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي في الشعب عن أنس قال : « قيل يا رسول الله ، متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال " إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم . قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : إذا ظهر الادهان في خياركم ، والفاحشة في كباركم ، وتحوّل الملك في صغاركم والفقه " ، وفي لفظ : " والعلم في رذالكم " .
وأخرج البيهقي عن حذيفة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم . والله تعالى أعلم .