فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَحَسِبُوٓاْ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةٞ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٞ مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (71)

قوله : { وَحَسِبُواْ أَن لا تَكُونَ فِتْنَة } أي حسب هؤلاء الذين أخذ الله عليهم الميثاق أن لا يقع من الله عز وجل ابتلاء واختبار بالشدائد اغتراراً بقولهم : { نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ } قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي { تَكُون } بالرفع على أنّ هي المخففة من الثقيلة ، وحسب بمعنى علم ، لأن " أن " معناها التحقيق . وقرأ الباقون بالنصب على أن ناصبة للفعل ، وحسب بمعنى الظن ، قال النحاس : والرفع عند النحويين في حسبت وأخواتها أجود ، ومثله :

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني *** كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي

قوله : { فَعَمُواْ وَصَمُّواْ } أي عموا عن إبصار الهدى ، وصموا عن استماع الحق ، وهذه إشارة إلى ما وقع من بني إسرائيل في الابتداء من مخالفة أحكام التوراة ، وقتل شعيا ، ثم تاب الله عليهم حين تابوا ، فكشف عنهم القحط { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ } وهذا إشارة إلى ما وقع منهم بعد التوبة من قتل يحيى بن زكريا وقصدهم لقتل عيسى ، وارتفاع { كَثِيرٍ } على البدل من الضمير في الفعلين .

قال الأخفش : كما تقول رأيت قومك ثلاثتهم ، وإن شئت كان على إضمار مبتدأ : أي العمى والصمّ كثير منهم ، ويجوز أن يكون كثير مرتفعاً على الفاعلية على لغة من قال : أكلوني البراغيث ، ومنه قول الشاعر :

ولكن ديافيّ أبوه وأمه *** بحوران يعصرن السليط أقاربه

وقرئ : { عموا وصموا } بالبناء للمفعول : أي أعماهم الله وأصمهم .

/خ75