السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَحَسِبُوٓاْ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةٞ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٞ مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (71)

{ وحسبوا } أي : ظنّ بنو إسرائيل { أن لا تكون } أي : توجد { فتنة } أي : لا يصيبهم بها عذاب في الدنيا ولا في الآخرة بل استخفوا بأمرها فلا تعجب أنت من جرأتهم في ادعائهم إنهم أبناء الله وأحباؤه ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي برفع النون تنزيلاً للحساب منزلة العلم فتكون مخففة من الثقيلة وأصله أنه لا تكون فتنة والباقون بالنصب على أنّ الحساب على بابه { فعموا } أي : عن الحق فلم يبصروه وهذا العمى هو الذي لا عمى في الحقيقة سواه وهو انطماس البصائر { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } ( الحج ، 46 ) { وصموا } عنه فلم يسمعوه أي : عَموا وصموا بعد موسى ويوشع عليهما السلام ، والصمم أضر من العمى فصاروا كمن لا يهتدي إلى سبيل أصلاً ؛ لأنه لا بصر له بعين ولا قلب ولا سمع { ثم تاب الله عليهم } ببعث عيسى بن مريم فرفعوه إلى الحق { ثم عموا وصموا } كرّة أخرى بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى : { كثير منهم } بدل من الضمير { والله بصير بما يعملون } أي : وإن دقّ فيجازيهم به وفق أعمالهم .