السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِمُ ٱلۡمَثُلَٰتُۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (6)

وكلما هدّدهم بعذاب الدنيا قالوا له : فجئنا بهذا العذاب ، وطلبوا منه إظهاره وإنزاله على سبيل الطعن وإظهار أنّ الذي يقول كلام لا أصل له نزل : { ويستعجلونك } ، أي : استهزاء وتكذيباً ، والاستعجال طلب التعجيل ، وهو تقديم الشيء قبل وقته الذي يقدر له { بالسيئة } ، أي : العذاب { قبل الحسنة } ، أي : الرحمة ، وذلك أنّ مشركي مكة كانوا يقولون : اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم .

تنبيه : قوله { قبل الحسنة } فيه وجهان : أحدهما : متعلق بالاستعجال ظرفاً له والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال مقدرة من السيئة قاله أبو البقاء . { وقد } ، أي : والحال أنه قد { خلت من قبلهم المثلات } جمع مثلة بفتح الميم وضم المثلثة كصدقة وصدقات ، أي : عقوبات أمثالهم من المكذبين أفلا يعتبرون بها . { وإنّ ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } وإلا لم يترك على ظهرها دابة كما قال تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة } [ فاطر ، 45 ] . وقال ابن عباس : معناه لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا . { وإنّ ربك لشديد العقاب } للمصرين على الشرك الذين ماتوا عليه . وقال مقاتل : إنه لذو تجاوز عن شركهم في تأخير العذاب عنهم ، وشديد العقاب إذا عاقب . ولما بين سبحانه وتعالى أنّ الكفار طعنوا في نبوة النبيّ صلى الله عليه وسلم بسبب طعنهم في الحشر والنشر أوّلاً ، ثم طعنوا في نبوّته بسبب طعنهم في صحة ما ينذرهم به من نزول عذاب الاستئصال ثانياً ،