تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِمُ ٱلۡمَثُلَٰتُۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (6)

وقوله تعالى : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ) الاستفعال يكون على وجهين :

[ أحدهما : الفعل نفسه .

والثاني : طلب الفعل ][ في الأصل وم : يكون طلب الفعل نفسه ] كقوله تعالى : ( ادعوني أستجب لكم )[ غافر : 60 ] قيل : أجب لكم ، وقوله تعالى : ( فليستجيبوا لي )[ البقرة : 186 ] أي فليجيبوا لي وقوله تعالى : ( ويستعجلونك ) .

فإن كان على طلب الفعل فهو ما سألوا رسول الله العذاب ( سأل سائل بعذاب واقع )[ المعارج : 1 ] ( وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب )[ ص : 16 ] وقولهم : ( إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء )[ الأنفال : 32 ] فبدؤوا بسؤالهم [ العذاب قبل سؤالهم ][ ساقطة من الأصل وم ] تأخيره وإمهاله ، وتأخير العذاب عنهم[ في الأصل وم : عندهم ] من الحسنة ، فاستعجلوا بهذا قبل هذا .

وإن كان الفعل نفسه فقوله : ( ويستعجلونك ) أي عجلوك يا محمد ( بالسيئة ) إليك قبل أن يكون منهم إليك حسنة حين[ في الأصل وم : حيث ] كذبوك في الرسالة ، وآذوك في نفسك ، ولم يكن منهم إليك إحسان من قبل ، والله أعلم بذلك . وقيل : ( بالسيئة ) العذاب على ما ذكرنا ( بالسيئة ) أي قبل العفو . وسؤالهم السيئة والعذاب بجهل[ في الأصل وم : يجعل ] منهم أنه رسول الله وأنه صادق في ما يخبر ، ويوعد من العذاب . كانوا لا يسألون [ العذاب ][ ساقطة من الأصل وم ] لأنهم يعلمون أن الله يقدر على أن ينزل عليهم العذاب ، لكن سألوا ذلك بجهلهم بأنه رسول الله سؤال استهزاء وسخرية . وإن كان على هذا سؤالهم كان فيه دلالة أن العقوبة والعذاب قد يلزم من جهل الأمر ، إذ كان سبيل العلم به بالنظر والتفكر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) قال بعضهم : العقوبات أي قد كان في الأمم الخالية العقوبات بسؤالهم العذاب والمعاندة في الآيات إذا جاءت . كأنه ، والله أعلم ، يصبر رسوله على سفه قومه[ في الأصل وم : قومهم ] بسؤالهم العذاب والآيات ثم المعاندة فيها ؛ يقول : كما في الأمم الماضية سؤال العذاب والآيات ثم المعاندة من بعد نزولها ، فلزمت[ في الأصل وم : فنزلت ] لهم العقوبات . فعلى ذلك هؤلاء .

وقال بعضهم ( المثلات ) الأمثال والأشياء ، وكذلك ذكر في حرف حفصة : ( وقد خلت من قبلهم الأمثال ) ما لو اعتبروا بها كان مثلا لهم . ولكن لا يعتبرون ، فيمنعهم عن أمثال ذلك .

وقوله تعالى : ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) قال بعضهم : ( لذو مغفرة ) أي ذو ستر على ظلمهم وتأخير العذاب إلى وقت كقوله : ( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار )[ إبراهيم : 42 ] وقوله ( وما نؤخره إلا لأجل معدود )[ هود : 104 ] وقال بعضهم : ( لذو مغفرة ) للكفار لمن لم يتب ، ومات على الظلم والشرك .

وقوله تعالى : ( وإن ربك لشديد العقاب ) للكفار ؛ وعلى التأويل الأولك ( وإن ربك لشديد العقاب ) إذا عاقب .