الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لَنُخۡرِجَنَّكَ يَٰشُعَيۡبُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرۡيَتِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۚ قَالَ أَوَلَوۡ كُنَّا كَٰرِهِينَ} (88)

قولهم : { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا }[ الأعراف :88 ] معناه : أو لتَصِيرُنّ ، و«عَادَ » في كلام العرب على وجهين :

أحدُهُمَا : عَادَ الشَّيْءُ إِلى حالٍ قد كان فيها قبل ذلك ، وهي على هذا الوجه لا تتعدى ، فإِن عُدِّيَتْ ، فبحرف ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

أَلاَ لَيْتَ أَيَّامَ الشَّبَابِ جَدِيدُ *** وَعُمْراً تولى يا بُثَيْنُ يَعُودُ

ومنْه قوله تعالى : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] .

والوجه الثاني : أنْ تكون بمعنى «صَارَ » ، وعاملةً عملَهَا ، ولا تتضمَّن أن الحال قد كانَتْ متقدِّمة ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]

تِلْكَ المَكَارِمُ لاَ قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ *** شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالاَ

ومنه قول الآخر :

وَعَادَ رَأْسِي كالثَّغامَةِ***

ومنه قوله تعالى : { حتى عَادَ كالعرجون القديم } [ يس : 39 ] . عَلى أن هذه محتملةٌ بقوله في الآية : { أَوْ لَتَعُودُنَّ } ، وشعيبٌ عليه السلام لَمْ يَكُ قطُّ كافراً ، فيقتضي أنها بمعنى «صار » ، وأما في جهة المؤمنين به بَعْدَ كُفْرهم ، فيترتَّب المعنى الآخر ، ويخرج عنه شعيبٌ .

وقوله : { أَوَلَوْ كُنَّا كارهين }[ الأعراف :88 ] توقيفٌ منه لهم على شِنْعَة المعصيةِ ، وطَلَبٌ أن يقروا بألسنتهم بإِكراهِ المُؤْمنين على الإِخراج ظُلْماً وغشماً .