البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص

هذه السورة مكية في قول عبد الله والحسن وعكرمة وعطاء ومجاهد وقتادة ، مدنية في قول ابن عباس ومحمد بن كعب وأبي العالية والضحاك . ولما تقدم فيما قبلها عداوة أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو عمه أبو لهب ، وما كان يقاسي من عباد الأصنام الذين اتخذوا مع الله آلهة ، جاءت هذه السورة مصرحة بالتوحيد ، رادة على عباد الأوثان والقائلين بالثنوية وبالتثليث وبغير ذلك من المذاهب المخالفة للتوحيد .

وقد جاء في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة ، ومنها أنها تعدل ثلث القرآن ، وقد تكلم العلماء على ذلك ، وليس هذا موضعه ، والله الموفق .

عن ابن عباس ، أن اليهود قالوا : يا محمد صف لنا ربك وانسبه ، فنزلت .

وعن أبي العالية ، قال قادة الأحزاب : انسب لنا ربك ، فنزلت .

فإن صح هذا السبب ، كان هو ضميراً عائداً على الرب ، أي { قل هو الله } أي ربي الله ، ويكون مبتدأ وخبراً ، وأحد خبر ثان .

وقال الزمخشري : وأحد يدل من قوله : { الله } ، أو على هو أحد ، انتهى .

وإن لم يصح السبب ، فهو ضمير الأمر ، والشان مبتدأ ، والجملة بعده مبتدأ وخبر في موضع خبر هو ، وأحد بمعنى واحد ، أي فرد من جميع جهات الوحدانية ، أي في ذاته وصفاته لا يتجزأ .

وهمزة أحد هذا بدل من واو ، وإبدال الهمزة مفتوحة من الواو قليل ، من ذلك امرأة إناة ، يريدون وناة ، لأنه من الوني وهو الفتور ، كما أن أحداً من الوحدة .

وقال ثعلب : بين واحد وأحد فرق ، الواحد يدخله العدد والجمع والاثنان ، والأحد لا يدخله .

يقال : الله أحد ، ولا يقال : زيد أحد ، لأن الله خصوصية له الأحد ، وزيد تكون منه حالات ، انتهى .

وما ذكر من أن أحداً لا يدخله ما ذكر منقوض بالعدد .

وقرأ أبان بن عثمان ، وزيد بن علي ، ونصر بن عاصم ، وابن سيرين ، والحسن ، وابن أبي إسحاق ، وأبو السمال ، وأبو عمرو في رواية يونس ، ومحبوب ، والأصمعي ، واللؤلؤي ، وعبيد ، وهارون عنه : { أحد . . .

الله } بحذف التنوين لالتقائه مع لام التعريف وهو موجود في كلام العرب وأكثر ما يوجد في الشعر نحو قوله :

ولا ذاكراً الله إلا قليلاً . . .

ونحو قوله :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه . . .