البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

ثم أمر الله نبيه أن يرد العلم إليه { بما لبثوا } ردّاً عليهم وتفنيداً لمقالتهم .

قيل : هو من قول المتنازعين في أمرهم وهو الصحيح على مقتضى سياق الآية ، ويؤيده { قل الله أعلم بما لبثوا } جعل ذلك من الغيوب التي هو تعالى مختص بها .

وقرأ الجمهور : مائة بالتنوين .

قال ابن عطية : على البدل أو عطف البيان .

وقيل : على التفسير والتمييز .

وقال الزمخشري : عطف بيان لثلاثمائة .

وحكى أبو البقاء أن قوماً أجازوا أن يكون بدلاً من مائة لأن مائة في معنى مئات ، فأما عطف البيان فلا يجوز على مذهب البصريين ، وأما نصبه على التمييز فالمحفوظ من لسان العرب المشهور أن مائة لا يفسر إلاّ بمفرد مجرور ، وإن قوله إذا عاش الفتى مائتين عاماً من الضرورات ولاسيما وقد انضاف إلى ذلك كون { سنين } جمعاً .

وقرأ حمزة والكسائي وطلحة ويحيى والأعمش والحسن وابن أبي ليلى وخلف وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي مائة بغير تنوين مضافاً إلى { سنين } أوقع الجمع موقع المفرد ، وأنحى أبو حاتم على هذه القراءة ولا يجوز له ذلك .

وقال أبو عليّ : هذه تضاف في المشهور إلى المفرد ، وقد تضاف إلى الجمع .

وقرأ أبي سنة وكذا في مصحف عبد الله .

وقرأ الضحاك : سنون بالواو على إضمار هي سنون .

وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية اللؤلؤي عنه { تسعاً } بفتح التاء كما قالوا عشر .

ثم ذكر اختصاصه بما غاب في السموات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها ، وجاء بما دل على التعجب من إدراكه للمسموعات والمبصرات للدّلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حد ما عليه إدراك السامعين والمبصرين ، لأنه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها كما يدرك أكبرها حجماً وأكثفها جرماً ، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر والضمير في { به } عائد على الله تعالى ، وهل هو في موضع رفع أو نصب وهل { أسمع } و { أبصر } أمران حقيقة أم أمران لفظاً معناهما إنشاء التعجب في ذلك خلاف مقرر في النحو .

وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى { أبصر } بدين الله { وأسمع } أي بصر بهدى الله وسمع فترجع الهاء إما على الهدى وإما على الله ذكره ابن الأنباري .

وقرأ عيسى : أسمع به وأبصر على الخبر فعلاً ماضياً لا على التعجب ، أي { أبصر } عباده بمعرفته وأسمعهم ، والهاء كناية عن الله تعالى .

والضمير في قوله { ما لهم } قال الزمخشري : لأهل السموات والأرض من { وليّ } متول لأمورهم { ولا يشرك } في قضائه { أحداً } منهم .

وقيل : يحتمل أن يعود على أصحاب الكهف أي هذه قدرته وحده .

ولم يوالهم غيره يتلطف بهم ولا أشرك معه أحداً في هذا الحكم .

ويحتمل أن يعود على معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار ومشاقيه ، وتكون الآية اعتراضاً بتهديد قاله ابن عطية .

وقيل : يحتمل أن يعود على مؤمني أهل السموات والأرض أي لن يتخذ من دونه ولياً .

وقيل : يعود على المختلفين في مدة لبثهم أي ليس لهم من دون الله من يتولى تدبيرهم ، فكيف يكونون أعلم منه ؟ أو كيف يعلمون من غير إعلامه إياهم ؟ وقرأ الجمهور : { ولا يشرك } بالياء على النفي .

وقرأ مجاهد بالياء والجزم .

قال يعقوب : لا أعرف وجهه .

وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو حيوة وزيد وحميد ابن الوزير عن يعقوب والجعفي واللؤلؤي عن أبي بكر : ولا تشرك بالتاء والجزم على النهي .