البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{طه} (1)

مقدمة السورة:

سورة طه

هذه السورة مكية بلا خلاف ، كان عليه السلام يراوح بين قدميه يقوم على رجل فنزلت . قاله عليّ .

وقال الضحاك : صلّى عليه السلام هو وأصحابه فأطال القيام لما أنزل عليه القرآن ، فقالت قريش : ما أنزل عليه إلاّ ليشقى .

وقال مقاتل : قال أبو جهل والنضر والمطعم : إنك لتشقى بترك ديننا فنزلت .

0

0

الثرى : التراب الندي ويثنّى ثريان ، ويقال ثريت التربة بللتها ، وثريت الأرض تثرى ثري فهي ثرية ابتل ترابها بعد الجدوبة ، وأثرت فهي مثرية كثر ترابها ، وأرض ثرى ذات ثرى . وقال ابن الأعرابي : يقال فلان قريب الثرى بعيد النبط للذي يعد ولا يفي ، ويقال : إني لأرى ثرى الغضب في وجه فلانا أي أثره ، ويقال الثرى بيني وبين فلان إذا انقطع ما بينكما . وقال جرير :

فلا تنبشوا بيني وبينكم الثرى   ***  فإن الذي بيني وبينكم مثري

آنس : وجد ، تقول العرب : هل آنست فلان أي وجدته . وقيل : أحس وهو قريب من وجد . قال الحارث بن حلزة :

آنست نبأة وروعها القناص *** عصراً وقد دنا الإمساء

القبس جذوة من النار تكون على رأس عود أو قصبة أو نحوه فعل بمعنى مفعول كالقبض والنفض ، ويقال : قبست منه ناراً أقبس فأقبسني أعطاني منه قبساً ، ومنه المقبسة لما يقتبس فيه من شقفة وغيرها ، واقتبست منه ناراً . وعلماً أي استفدته . وقال المبرد : أقبست الرجل علم وقبسته ناراً . وقال الكسائي : أقبسته ناراً وعلماً وقبسته أيضاً فيهما . الخلع والنعل معروفان وهو إزالتها من الرجل . وقيل : النعل ما هو وقاية للرجل من الأرض كان من جلد أو حديد أو خشب أو غيره . طوى : اسم موضع . السعي المشي بسرعة ، وقد يطلق على العمل . ردى يردى ردى هلك ، وأرداه أهلكه . قال دريد بن الصمة :

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا ***  فقلت أعبد الله ذلكم الردى

توكأ على الشيء تحامل عليه في المشي والوقوف ، ومنه الاتكاء . توكأت واتكأت بمعنى . وتقدمت هذه المادة في سورة يوسف في قوله :

{ متكأ }

وشرحت هنا لاختلاف الوزنين وإن كان الأصل واحداً . هش على الغنم يهش بضم الهاء خبط أوراق الشجر لتسقط ، وهش إلى الرجل يهش بالكسر قاله ثعلب إذا بش وأظهر الفرح به ، والأصل في هذه المادة الرخاوة يقال : رجل هش . الغنم معروف وهو اسم جنس مؤنث . المأربة بضم الراء وفتحها وكسرها الحاجة وتجمع على مآرب ، والإربة أيضاً الحاجة . الحية الحنش ينطلق على الذكر والأنثى والصغير والكبير ، وتقدمت مادته وكررت هنا لخصوصية المدلول . وقولهم حواء للذي يصيد الحيات من باب قوة فالمادتان مختلفتان كسبط وسبطر . الأزر : الظهر قاله الخليل ، وأبو عبيد وآزره قواه ، والأزر أيضاً القوة . وقال الشاعر :

بمحنية قد آزر الضال نبتها *** مجر جيوش غانمين وخيب

القذف الرمي والإلقاء . الساحل شاطئ البحر وهو جانبه الخالي من الماء ، سمي بذلك لأن الماء يسحله أي يقشره فهو فاعل بمعنى مفعول . وقال أبو تمام :

هو البحر من أي النواحي أتيته ***  فلجته المعروف والجود ساحله

والظاهر أن طه من الحروف المقطعة نحو : يس وألر وما أشبههما ، وتقدم الكلام على ذلك في أول البقرة .

وعن ابن عباس والحسن وابن جبير ومجاهد وعطاء وعكرمة : معنى { طه } يا رجل .

فقيل بالنبطية . وقيل بالحبشية . وقيل بالعبرانية . وقيل لغة يمنية في عك . وقيل في عكل .

وقال الكلبي : لو قلت في عك يا رجل لم يجب حتى تقول { طه } .

وقال السدّي معنى { طه } يا فلان .

وأنشد الطبري في معنى يا رجل في لغة عك قول شاعرهم :

دعوت بطه في القتال فلم يجب*** فخفت عليه أن يكون موائلاً

وقول الآخر :

إن السفاهة طه من خلائقكم***لا بارك الله في القوم الملاعين

وقيل هو اسم من أسماء الرسول .

وقيل : من أسماء الله .

وقال الزمخشري : ولعل عكاً تصرفوا في يا هذا كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء فقالوا في يا طأ واختصروا هذا فاقتصروا على ها ، وأثر الصنعة ظاهر لا يخفى في البيت المستشهد به :

إن السفاهة طه في خلائقكم***لا قدس الله أخلاق الملاعين

انتهى .

وكان قد قدم أنه يقال إن طاها في لغة عك في معنى يا رجل ، ثم تخرص وحزر على عك بما لا يقوله نحوي هو أنهم قلبوا الياء طاء وهذا لا يوجد في لسان العرب قلب يا التي للنداء طاء ، وكذلك حذف اسم الإشارة في النداء وإقرار ها التي للتنبيه .

وقيل : طا فعل أمر وأصله طأ ، فخففت الهمزة بإبدالها ألفاً وها مفعول وهو ضمير الأرض ، أي طأ الأرض بقدميك ولا تراوح إذ كان يراوح حتى تورمت قدماه .

وقرأت فرقة منهم الحسن وعكرمة وأبو حنيفة وورش في اختياره { طه } .

قيل : وأصله طأ فحذفت الهمزة بناء على قلبها في يطأ على حد لا هناك المرتع بُني الأمر عليه وأدخلت هاء السكت وأجري الوصل مجرى الوقف ، أو أصله طأ وأبدلت همزته هاء فقيل { طه } .

وقرأ الضحاك وعمرو بن فائد : طاوي .

وقرأ طلحة ما نزل عليك بنون مضمومة وزاي مكسورة مشددة مبنياً للمفعول { القرآن } بالرفع .