البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (36)

البدن : جمع بدنة كثمر جمع ثمرة قاله الزجاج ، سميت بذلك لأنها تبدن أي تسمن . وقال الليث : البدنة بالهاء تقع على الناقة والبقرة والبعير مما يجوز في الهدي والأضاحي ، ولا يقع على الشاة وسميت بدنة لعظمها . وقيل : تختص بالإبل . وقيل : ما أشعر من ناقة أو بقرة قاله عطاء وغيره . وقيل : البدن مفرد اسم جنس يراد به العظيم السمين من الإبل والبقر ، ويقال للسمين من الرجال .

القانع : السائل ، قنع قنوعاً سأل وقنع قناعة تعفف واستغنى ببلغته . قال الشماخ :

مفاقره أعف من القنوع *** لمال المرء يصلحه فيغني

المعتر : المتعرض من غير سؤال . وقال ابن قتيبة : غرّه واغترّه وعراه واعتراه أتاه طالباً لمعروفه . قال الشاعر :

سلي الطارق المعتر يا أمّ مالك *** إذا ما اعتراني بين قدري ومجزري

وقال الآخر :

لعمرك ما المعتر يغشى بلادنا لنمنعه بالضائع المنهضم

وقرأ الجمهور { البدن } بإسكان الدال .

وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وشيبة وعيسى بضمها وهي الأصل ، ورويت عن أبي جعفر ونافع .

وقرأ ابن أبي إسحاق أيضاً بضم الياء والدال وتشديد النون ، فاحتمل أن يكون اسماً مفرداً بُني على فعل كعتل ، واحتمل أن يكون التشديد من التضعيف الجائز في الوقف ، وأجرى الوصل مجرى الوقف ، والجمهور على نصب { والبدن } على الاشتغال أي وجعلنا { البدن } وقرىء بالرفع على الابتداء و { لكم } أي لأجلكم و { من شعائر } في موضع المفعول الثاني ، ومعنى { من شعائر الله } من أعلام الشريعة التي شرعها الله وأضافها إلى اسمه تعالى تعظيماً لها { لكم فيها خير } قال ابن عباس : نفع في الدنيا ، وأجر في الآخرة .

وقال السدّي أجر .

وقال النخعي : من احتاج إلى ظهرها ركب وإلى لبنها شرب { عليها صواف } أي على نحرها .

قال مجاهد : معقولة .

وقال ابن عمر : قائمة قد صفت أيديها بالقيود .

وقال ابن عيسى : مصطفة وذكر اسم الله أن يقول عند النحر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ، اللهم منك وإليك .

وقرأ أبو موسى الأشعري والحسن ومجاهد وزيد بن أسلم وشقيق وسليمان التيمي والأعرج : صوافي جمع صافية ونون الياء عمرو بن عبيد .

قال الزمخشري : التنوين عوض من حرف عند الوقف انتهى .

والأولى أن يكون على لغة من صرف ما لا ينصرف ، ولا سيما الجمع المتناهي ، ولذلك قال بعضهم والصرف في الجمع أي كثيراً حتى ادّعى قوم به التخيير أي خوالص لوجه الله تعالى لا يشرك فيها بشيء ، كما كانت الجاهلية تشرك .

وقرأ الحسن أيضاً { صواف } مثل عوار وهو على قول من قال فكسرت عار لحمه يريد عارياً وقولهم : اعط القوس باريها .

وقرأ عبد الله وابن عمر وابن عباس والباقر وقتادة ومجاهد وعطاء والضحاك والكلبي والأعمش بخلاف عنه صوافن بالنون ، والصافنة من البدن ما اعتمدت على طرف رجل بعد تمكنها بثلاث قوائم وأكثر ما يستعمل في الخيل { فإذا وجبت جنوبها } عبارة عن سقوطها إلى الأرض بعد نحرها .

قال محمد بن كعب ومجاهد وإبراهيم والحسن والكلبي { القانع } السائل { والمعتر } المعترض من غير سؤال ، وعكست فرقة هذا .

وحكى الطبري عن ابن عباس { القانع } المستغني بما أعطيه { والمعتر } المعترض من غير سؤال .

وحكى عنه { القانع } المتعفف { والمعتر } السائل .

وعن مجاهد { القانع } الجار وإن كان غنياً .

وقال قتادة { القانع } من القناعة { والمعتر } المعترض للسؤال .

وقيل { المعتر } الصديق الزائر .

وقرأ أبو رجاء : القنع بغير ألف أي { القانع } فحذف الألف كالحذر والحاذر .

وقرأ الحسن والمعتري اسم فاعل من اعترى .

وقرأ عمرو وإسماعيل { والمعتر } بكسر الراء دون ياء ، هذا نقل ابن خالويه .

وقال أبو الفضل الرازي في كتاب اللوامح أبو رجاء بخلاف عنه ، وابن عبيد والمعتري على مفتعل .

وعن ابن عباس برواية المقري { والمعتر } أراد المعتري لكنه حذف الياء تخفيفاً واستغناءً بالكسرة عنها ، وجاء كذلك عن أبي رجاء .

قال ابن مسعود : الهدي أثلاث .

وقال جعفر بن محمد أطعم القانع والمعتر ثلثاً ، والبائس الفقير ثلثاً ، وأهلي ثلثاً .

وقال ابن المسيب : ليس لصاحب الهدي منه إلاّ الربع وهذا كله على جهة الاستحباب لا الفرض قاله ابن عطية { كذلك } سخرها لكم أي مثل ذلك التسخير { سخرناها لكم } تأخذونها منقادة فتعقلونها وتحبسونها صافة قوائمها فتطعنون في لباتها ، منّ عليهم تعالى بذلك ولولا تسخير الله لم تطق ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرماً وأقل قوّة ، وكفى بما يتأبد من الإبل شاهداً وعبرة .