البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَشِحَّةً عَلَيۡكُمۡۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَيۡتَهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ تَدُورُ أَعۡيُنُهُمۡ كَٱلَّذِي يُغۡشَىٰ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَيۡرِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يُؤۡمِنُواْ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (19)

سلقه : اجترأ عليه وضربه ، ويقال : صلقه بالصاد . قال الشاعر :

فصلقنا في مراد صلقه وصداء لحقتهم بالثلل ***

وقيل : سلقه : خاطبه مخاطبة بليغة ، ومنه خطيب سلاق ومسلاق ، ولسان سلاق ومسلاق .

{ أشحة } : جمع شحيح ، وهو البخيل ، وهو جمع لا ينقاس ، وقياسه في الصفة المضعفة العين واللام فعلاء نحو : خليل وأخلاء ؛ فالقياس أشحاء ، وهو مسموع أيضاً ، ومتعلق الشح بأنفسهم ، أو بأحوالهم ، أو بأموالهم في النفقات في سبيل الله ، أو بالغنيمة عند القسم ، أقوال .

والصواب : أن يعم شحهم كل ما فيه منفعة للمؤمنين .

وقال الزمخشري : { أشحة عليكم } في وقت الحرب ، أضناء بكم ، يترفرفون عليكم ، كما يفعل الرجال بالذاب عن المناضل دونه عند الخوف .

{ ينظرون إليك } في تلك الحالة ، كما ينظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت ، حذراً وخوراً ولواذاً ، فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة ، نقلوا ذلك الشح وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير ، وهو المال والغنيمة وسوء تلك الحالة الأولى ، واجترؤوا عليكم وضربوكم بألسنتهم ، وقالوا : وفروا قسمتنا ، فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم ، وبمكاننا غلبتم عدوكم ، وبنا نصرتم عليهم . انتهى .

وهو تكثير وتحميل للفظ ما لا يحتمله كعادته .

وقرأ الجمهور : { أشحة } ، بالنصب .

قال الفراء : على الذم ، وأجاز نصبه على الحال ، والعامل يعوقون .

وقال الطبري : حال من { هلم إلينا } .

وقال الزجاج : حال من { ولا يأتون } ؛ وقيل : حال من { المعوقين } ؛ وقيل : من { القائلين } ، ورد القولان بأن فيهما تفريقاً بين الموصول وما هو من تمام صلته .

وقرأ ابن أبي عبلة : أشحة ، بالرفع على إضمار مبتدأ ، أي هم أشحة .

{ فإذا جاء الخوف } من العدو ، وتوقع أن يستأصل أهل المدينة ، لاذ هؤلاء المنافقون بك ينظرون نظر الهلوع المختلط النظر ، الذي يغشى عليه من الموت .

و { تدور } : في موضع الحال ، أي دائرة أعينهم .

{ كالذي } : في موضع الصفة لمصدر محذوف ، وهو مصدر مشبه ، أي دوراناً كدوران عين الذي يغشى عليه .

فبعد الكاف محذوفان وهما : دوران وعين ، ويجوز أن يكون في موضع الصفة لمصدر من { ينظرون إليك } ، نظراً كنظر الذي يغشى عليه .

وقيل : إذا جاء الخوف من القتال ، وظهر المسلمون على أعدائهم ، { رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم } في رؤوسهم ، وتجول وتضطرب رجاء أن يلوح لهم .

قال قتادة : بسطوا ألسنتهم فيكم .

قال يزيد بن رومان : في أذى المؤمنين وسبهم وتنقيص الشرع .

وقال قتادة : في طلب العطاء من الغنيمة ، والإلحاف في المسألة .

وقيل : السلق في مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمجاملة .

وقرأ الجمهور : { سلقوكم } ، بالسين ؛ وابن أبي عبلة : بالصاد .

وقرأ ابن أبي عبلة : أشحة بالرفع ، أي هم أشحة ؛ والجمهور : بالنصب على الحال من { سلقوكم } ، وعلى الخبر يدل على عموم الشح في قوله أولاً : { أشحة عليكم } .

وقيل : في هذا : أشحة على مال الغنائم .

وقيل : على مالهم الذي ينفقونه .

وقيل : على الرسول بظفره .

{ أولئك لم يؤمنوا } ، إشارة إلى المنافقين : أي لم يكن لهم قط إيمان .

والإحباط : عدم قبول أعمالهم ، فكانت كالمحبطة .

وقال الزمخشري : فإن قلت : هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإحباط ؟ قلت : لا ، ولكن تعليم لمن عسى يظن أن الإيمان باللسان إيمان ، وإن لم يواطئه القلب ؛ وأن ما يعمله المنافق من الأعمال يجزى عليه .

فبين أن إيمانه ليس بإيمان ، وأن كل عمل يوجد منه باطل .

انتهى ، وفي كلامه استعمال عسى صلة لمن ، وهو لا يجوز .

وقال ابن زيد ، عن أبيه : نزلت في رجل بدري ، نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني ، فأحبط الله عمله في بدر وغيرها .

وكان ذلك ، أي الإحباط ، أو حالهم من شحهم ونظرهم ، يسيراً لا يبالى به ، ولا له أثر في دفع خير ، ولا عليه شر .

وقال الزمخشري : { على الله يسيراً } ، معناه : أن أعمالهم حقيقة بالإحباط ، تدعو إليه الدواعي ، ولا يصرف عنه صارف .

انتهى ، وهي ألفاظ المعتزلة .