{ فإذا لقيتم الذين كفروا } : أي إذا كان الأمر كما ذُكر فإِذا لقيتم الذين كفروا في ساحة المعركة فاضربوا رقابهم ضرباً شديداً تفصلون فيه الرقاب عن الأبدان .
{ حتى إذا أثخنتموهم } : أي أكثرتم فيهم القتل ولم يصبح لهم أمل في الانتصار عليكم .
{ فشدوا الوثاق } : أي فأسروهم بدل قتلهم وشدوا الوثاق أي ما يوثق به الأسير من إسار قِدّاً كان أو حبلا حتى لا يتفلتوا ويهربوا .
{ فإِما مناً بعد وإما فداء } : أي عبد أسركم لهم وشد وثاقهم فإِما أن تمنوا منّا أي تفكوهم من الأسر مجاناً ، وإما تفادونهم بمال أو أسير مسلم ، وهذا بعد نهاية المعركة .
{ حتى تضع الحرب أوزارها } : أي واصلوا القتال والأخذ والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها وهي آلاتها وذلك عند إسلام الكفار أو دخولهم في عهدكم فهذه غاية انتهاء الحرب حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
{ ذلك } : أي الأمر ذلك الذي علمتم من استمرار القتال إلى غاية إسلام الكفار أو دخولهم في عهدكم وذمتكم .
{ ولو يشاء الله لانتصر منهم } : أي بغير قتال منكم كأن يخسف بهم الأرض أو يصيبهم بوباء ونحوه .
{ ولكن ليبلو بعضكم ببعض } : ولكن أمركم بالقتال وشرعه لكم لحكمة هي أن يبلو بعضكم ببعض أي يختبركم من يقاتل منكم ومن لا يقاتل ، والمؤمن يُقتل فيدخل الجنة والكافر يُقتل فيدخل النار .
{ والذين قتلوا في سبيل الله } : أي قتلهم العدو ، وقرى ، قاتلوا في سبيل الله . { فلن يضل أعمالهم } : فلن يضل أعمالهم : أي لا يحبطها ولا يبطلها .
لقد تقدم أن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد أضل أعمالهم وذلك لكفرهم وصدهم عن سبيل الله إذا كان الأمر كذلك فليقاتلوا لإنهاء كل من المفسدتين كفرهم وصدهم غيرهم عن الإِسلام وهذا ما دل عليه قوله تعالى فإِذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب أي فاضربوا رقابهم ضربا يفصل الرأس عن الجسد وواصلوا قتالهم حتى إذا أثخنتموهن أي كثرتم فيهم القتل ، فشدوا الوثاق أي احكموا ربط الأسرى بوضع الوثاق وهو الحبل في أيديهم وأرجلهم حتى لا يتمكنوا من قتلكم ولا الهرب منكم وبعد ذلك أنتم وما يراه إمامكم من المصلحة العليا فإِن رأى المن فمنوا عليهم مجانا بلا مقابل ، وإما تفادونهم فداء بمال ، أو برجال ، وستظل تلك حالكم قتل وأخذ وأسر ثم من وعفو مجاني ، أو فداء بعوض ومقابل إلى أن تضع الحرب أوزارها أي أثقالها من عُدد وعتاد حربي ، وذلك لوصولكم إلى الغاية من الحرب وهي أن يسلم الكافر ، أو يدخل في ذمة المسلمين ، وهو معنى قوله تعالى في سورة البقرة : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } وقوله تعالى { ذلك } أي الأمر الذي علمتم من استمرار القتل والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها بالدخول في الإسلام أو في ذمة المسلمين وقوله ولو شاء الله لانتصر منهم أي بدون قتالٍ منكم ولكن بخسف أو وباء أو صواعق من السماء ولكن لم يفعل ذلك من أجل أن يَبْلُوَ بعضكم ببعض أي ليختبركم بهم . فيعلم المجاهدين . منكم والصابرين ، ويبلوهم بكم فيعاقب من شاء منهم بأيديكم ، ويتوب على من يشاء منهم كذلك . إذ انتصاركم عليهم ووقوعهم تحت سلطانكم يساعدهم على التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق فيسلموا فيفلحوا بالنجاة من النار ودخلوا الجنة ، وقوله تعالى { والذين قاتلوا في سبيل الله } وفي قراءة والذين قُتلوا في سبيل الله وهذه عامة في شهداء أُحد وغيرهم .
- وجوب الجهاد على أمة الإِسلام ومواصلته كما بيّن تعالى في هذه الآيات إلى أن لا يبقى كافر يحارب بأن يدخلوا في الإسلام أو يعاهدوا ويدخلوا في ذمة المسلمين ويقبلوا على إصلاح أنفسهم وإعدادها للخير والفلاح .
- إمام المسلمين مخير في الأسرى بين المنّ والفداء ، القتل أيضاً لأدلة من السنة .
قوله تعالى : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم 4 سيهديهم ويصلح بالهم 5 ويدخلهم الجنة عرّفها لهم 6 ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم 7 والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم 8 ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم } .
ذلك تحريض من الله للمؤمنين على قتال الكافرين الذين يحادون الله ورسوله ويستنكفون عن طاعة ربهم واتباع منهجه القويم . أولئك الذين يصدون عن دين الله ويريدون للبشرية أن تضل السبيل وتزيغ عن منهج الله الحق فتمضي في طريق الشر والباطل ، طريق الشيطان . على أن قتال الكافرين يكون عقب دعوتهم إلى دين الله بالتي هي أحسن وعقب الكشف لهم عن جمال الإسلام وما بني عليه عليه من قواعد الحق والعدل والرحمة ، ترغيبا لهم فيه . وإنما يكون ذلك بالحكمة واللين والبرهان ، فإن آمنوا واهتدوا فهم إخوة في العقيدة والملة ، وإن أبوا واستكبروا وجنحوا للشر والعدوان والتخريب والإفساد في الأرض فلا مناص حينئذ من دفع شرورهم ومكائدهم ومفاسدهم عن البشرية ولا يتحقق ذلك بغير العنف والشدة . وهو قوله : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } ( ضرب ) منصوب على أنه مصدر . وتقديره فاضربوا ضرب الرقاب{[4225]} . واختلفوا في المراد بالذين كفروا الذين أمر بضرب رقابهم ، فقيل : المراد بهم المشركون عبدة الأوثان ، أولئك التائهون ، الموغلون في العماية والحماقة وتبلد الأذهان . وقيل : المراد بهم كل من خالف دين الله وهو الإسلام من مشرك أو كتابي إذا لم يكن صاحب عهد أو ذمة ، فهو كل مشرك غير معاهد ولا ذمي . والمعنى : إذا لقيتم المشركين من غير أولي العهد أو الذمة فاضربوا رقابهم . وخص الرقاب بالذكر على سبيل الغلظة والشدة . قوله : { حتى إذا أثخنتموهم } من الإثخان وهو المبالغة في الجراحة . وأثخنتموهم أي غلبتموهم وأكثرتم فيهم الجراح{[4226]} والمعنى المقصود : إذ أكثرتم في المشركين القتل { فشدوا الوثاق } { الوثاق } بالفتح والكسر : ما يشد به ، أوثقه ووثقه توثيقا ، يعني أحكمه بما يوثق به كالرباط {[4227]} أي إذا أسرتم من لم يقتل منهم فأحكموا رباطه كيلا يهرب .
قوله : { فإما منا بعد وإما فداء } { منا } و { فداء } منصوبان على المصدر . يعني : إما أن تمنوا على هؤلاء الأسارى بإطلاقهم من غير فدية ، وإما أن تفادوهم فداء ، أي إطلاقهم في مقابل مال يؤدونه إلى دولة الإسلام . على أن الآية محكمة . وهو قول أكثر المفسرين والعلماء . وهو مروي عن ابن عباس . وهو مذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وغيرهم . وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الإمام مخير بين المن على الأسارى ، ومفاداتهم فقط . وليس له أن يقتلهم استنادا إلى ظاهر الآية . وقال آخرون : بل له أن يقتل الأسير إن وجد في ذلك مصلحة للمسلمين ، بإضعاف المشركين وتبديد شوكتهم ، أو كان الأسير واحدا من الأشقياء الموغلين في الإجرام والإفساد وإيذاء المسلمين ، فقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط من أسارى بدر .
وذهب الإمام الشافعي إلى أن الإمام مخير بين قتل الأسير أو المن عليه أو مفاداته أو استرقاقه .
قوله : { حتى تضع الحرب أوزارها } اختلفوا في تأويل ذلك . فقد قيل : حتى يظهر الإسلام على الدين كله . وقيل : حتى يضع المشركون المحاربون أوزارهم . والمراد بالأوزار ههنا السلاح والكراع وأسباب القتال ، أي يضعوا سلاحهم على سبيل الهزيمة أو الموادعة .
قوله : { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم } { ذلك } في موضع رفع ، لأنه خبر لمبتدأ محذوف . وتقديره : الأمر كذلك{[4228]} والمعنى : هذا الذي أمرتكم به هو حكم الله في المشركين من حيث إلزامكم قتالهم وأسرهم أو المن عليهم ومفاداتهم . ولو أراد الله لأهلكهم بغير قتال فكفاكم قتالهم { ولكن ليبلوا بعضكم ببعض } أي أمركم الله بقتال الكافرين وجهادهم ليمتحن بعضكم ببعض فيستبين المجاهدون والصابرون من القاعدين المتخاذلين ، وليكون عقاب الكافرين في هذه العاجلة على أيديكم .
قوله : { والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم } أي أن الذين يقتلون في سبيل الله له يضيّع الله أجرهم بل إن جزاءهم يكبر ويضاعف طيلة لبثه في البرزخ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.