أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

شرح الكلمات :

{ من كان يريد حرث الآخرة } : أي من كان يريد بعمله ثواب الآخرة .

{ نزد له في حرثه } : أي نضاعف له ثوابه الحسنة بعشر أمثالها وأكثر .

{ ومن كان يريد حرث الدنيا } : أي من كان يريد بعمله متاع الحياة الدنيا من طيباتها .

{ نؤته منها وماله في الآخرة من } : أي نعطه منها ما قدر له وليس له في الآخرة من حظ ولا { نصيب } نصيب .

المعنى :

وقوله تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } ، وهذا من مظاهر لطفه بعباده وهو أن من أراد منهم بعمله ثواب الآخرة وما أسعد الله فيها للمؤمنين المتقين نزد له في حرثه أي يضاعف له أجر عمله الحسنة بعشر إلى سبعمائة ويضاعف لمن يشاء ومن كان يريد بعمله حرث الدنيا أي متاع الحياة الدنيا يؤته على قدر عمله للدنيا وهو ما قدره له أزلاً وجعله مقدوراً له لا بد نائله ، وماله في الآخرة من نصيب لأنه لم يعمل لها فلاحظ ولا نصيب له فيها إلا النار وبئس القرار .

الهداية :

من الهداية :

- بيان وجوب إصلاح النيات فإن مدار العمل قبولاً ورفضا بحسبها .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

{ حرث الآخرة } عبارة عن العمل لها وكذلك حرث الدنيا وهو مستعار من حرث الأرض لأن الحراث يعمل وينتظر المنفعة بما عمل .

{ نزد له في حرثه } عبارة عن تضعيف الثواب .

{ نؤته منها } أي : نؤته منها ما قدر له لأن كل أحد لا بد أن يصل إلى ما قسم له .

{ وما له في الآخرة من نصيب } هذا للكفار ، أو لمن كان يريد الدنيا خاصة ، ولا رغبة له في الآخرة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

ولما بين بهذا أن الرزق ليس إلا في يده ، أتبعه ما يزهد في طلب رزق البدن ، ويرغب في رزق الروح فقال على سبيل الاستئناف جواباً لمن يسأل : هل يكون الرزق بشدة السعي أو لا ، وبدأ برزق الروح لشرفه : { من كان } أي من شريف أو دنيء { يريد } ولما كان مدار مقصد السورة على الدين ، وكان الدين معاملة بين العبد وربه يقصد به ما يقصد بالحرث من حصول الفائدة ، وكان الحرث من أجل أسباب المكاسب ، وكانت الجنة قيعاناً غراسها ذكر الله ، عبر عن مطلق الكسب بالحرث فقال : { حرث الآخرة } أي أعمالها التي تستنمي بها الفوائد . ولما كانت أسباب الحروث وثمراتها لا يقدر على تعطيلها وإنجاحها إلا الله ، وكان الآدمي يظن لنفسه في ذلك قدرة ، نبه سبحانه بالالتفات إلى أسلوب العظمة أن أمره سبحانه في ذلك لا يستطاع دفاعه ولا ممانعته ونزاعه : { نزد له } أي بعظمتنا التي لا يقدر أحد على تحويلها { في حرثه } بأن يعينه على الأعمال الصالحة بإنارة القلب وتصفية الحال وتهدئة السر ونفوذ البصر فيما يضر وينفع ويضاعف له ثوابها من العشر لكل حسنة إلى ما لا نهاية له ويغطيه ، من الدنيا التي أعرض عنها ما قدر له إعانة له على ما أقبل عليه من الآخرة ، وطوى ذكر الدنيا في هذا الشق تنبيهاً على أنها أحقر من أن تذكر مع أنه معلوم من آيات أخر { ومن كان } أي من قوي أو ضعيف { يريد حرث الدنيا } أي أرزاقها التي تطلب بالكد والسعي ويستنمي به مكتفياً به مؤثراً له على الآخرة { نؤته منها } ما قسمناه له ، ولو تهاون به ولم يطلبه لأتاه ، ولا ينال كل ما يتمناه ولو جهد كل الجهد ، وأما الآخرة فكل ما نواه طالبها من أعمالها حصل له وإن لم يعمله { وما } أي والحال أن طالب الدنيا ما { له في الآخرة من نصيب * } أصلاً ، روى أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصرة والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم - وقال : صحيح الإسناد - والبيهقي ، وذلك لأن الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، وهذا تهاون بها فلم ينوها وهي أشرف من أن تقبل على من أعرض عنها وتبعد عمن أقبل عليها حتى تهلكه في مهاويها ، والآخرة تقبل على من أقبل عليها أضعاف إقباله ، وتنادي من أدبر عنها لينتهي عن غيه وضلاله ، قال الرازي في اللوامع : أهل الإرادة على أصناف : مريد للدنيا ومريد للآخرة ومريد للحق جل وعلا ، وعلامة إرادة الدنيا أن يرضى في زيادة دنياه بنقص دينه والإعراض عن فقراء المسلمين وأن تكون حاجاته في الدعاء مقصورة على الدنيا ، وعلامة إرادة الآخرة بعكس ذلك ، وأما علامة إرادة الله سبحانه وتعالى كما قال { ويريدون وجهه } طرح الكونين والحرية عن الخلق والخلاص من يد النفس - انتهى ، وحاصله أن يستغرق أوقاته في التوفية بحقوق الحق وحقوق الخلق وتزكية النفس لا طمعاً في جنة ولا خوفاً من نار ، بل امتثالاً لأمر الملك الأعلى الذي لا إله غيره لأنه أهل لذلك مع اعترافه لأنه لن يقدر الله حق قدره .