تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

الآية 20 وقوله تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نُؤته منها } جعل الله تعالى الدنيا مزارع أهلها ، ما زرعوا فيها حصدوا ذلك في الآخرة ؛ إن زرعوا خيرا حسنا حصدوا خيرا ونعيما في الآخرة ، وإن زرعوا شرّا وسوءا حصدوا في الآخرة شرا وعذابا دائما .

وكذلك صيّرنا متجرة يتجُرون فيها ، فإن تجرُوا خيرا وحسنا ربحوا في الآخرة ، وإن تجروا شرا وسوءا خسروا في الآخرة .

وكذلك صيّرنا مسلكا إلى الآخرة ، والآخرة غاية لها ، فإن سلكوا سبيل الخير وما أُمروا به أفضى بهم ذلك إلى الخير والنعيم الدائم والسرور ، وإن سلكوا سبيل الشر وما نُهوا عنه أفضى بهم إلى العذاب الدائم والحزن الدائم [ وهو ]{[18722]} ما ذكر في غير آية{[18723]} من القرآن كقوله{[18724]} تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين } الآية [ التوبة : 111 ] وقوله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } الآية [ البقرة : 207 ] وقوله تعالى : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } الآية [ البقرة : 16 و175 ] وقوله تعالى : { اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة } [ البقرة : 86 ] وقوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } الآية [ الإسراء : 18 ] ونحو ذلك كثير .

على هذا بُني أمر الدنيا والآخرة ، والله أعلم .

ثم قوله : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } يخرّج على وجهين :

أحدهما : أي من كان يريد بمحاسنه في الدنيا وخيراته ثواب الآخرة نزد له في الدنيا والآخرة : أما في الدنيا فهو{[18725]} التوفيق على الطاعات والزيادة له والنماء ، وأما في الآخرة فالنعيم الدائم والسرور الدائم .

والثاني : أي من كان عمل للآخرة ، وسعى لها نزد له ما ذكر من المحاسن . وتكون الإرادة ههنا صفة لكل فاعل كقوله : { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن } [ الإسراء : 19 ] وهي لا تكون بدون الفعل . فكان ذكرها ذكرا للفعل ضرورة ، فكان المراد منها الإرادة مع الفعل . فلذلك يُخرّج قوله : { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها } على وجهين :

أحدهما : من كان يريد محاسن الدنيا وسعته نؤته منها ، ونوسع عليه .

والثاني : من كان يريد الدنيا ، أي من عمل للدنيا ، وسعى لها نُؤته منها وما عمل لها { وما له في الآخرة من نصيب } .


[18722]:في الأصل وم: و.
[18723]:في الأصل وم: آي.
[18724]:في الأصل وم: من قوله.
[18725]:الفاء ساقطة من الأصل وم.