البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

ولما كان الحرث في الأرض أصلاً من أصول المكاسب ، استعير لكل مكسب أريد به النماء والفائدة ، أي من كان يريد عمل الآخرة ، وسعى لها سعيها ، { نزد له في حرثه } : أي جزاء حرثه أي من جزاء حرثه من تضعيف الحسنات ، { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها } : أي العمل لها لا لآخرته ، { نؤته منها } : أي نعطه شيئاً منها ، { وما له في الآخرة من نصيب } ، لأنه لم يعمل شيئاً للآخرة .

والجملة الأولى وعد منجز ، والثانية مقيدة بمشيئته تعالى ، فلا يناله إلا رزقه الذي فرغ منه ، وكل ما يريده هو .

واقتصر في عامل الآخرة على ذكر حظه في الآخرة ، كأنه غير معتبر ، فلا يناسب ذكر مع ما أعد الله له في الآخرة لمن يشاء ما يشاء .

وجعل فعل الشرط ماضياً ، والجواب مجزوم لقوله تعالى : { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها } ولا نعلم خلافاً في جواز الجزم ، فإنه فصيح مختار ، إلا ما ذكره صاحب كتاب الإعراب ، وهو أبو الحكم بن عذرة ، عن بعض النحويين ، أنه لا يجيء في الكلام الفصيح ، وإنما يجيء مع كأن لأنها أصل الأفعال ، ولا يجيء مع غيرها من الأفعال .

ونص كلام سيبويه والجماعة أنه لا يختص ذلك بكان ، بل سائر الأفعال في ذلك مثلها ، وأنشد سيبويه للفرزدق :

دست رسولاً بأن القوم إن قدروا *** عليك يشفوا صدوراً ذات توغير

وقال آخر :

تعال فإن عاهدتني لا تخونني *** نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

وقرأ الجمهور : نزد ونؤته بالنون فيهما : وابن مقسم ، والزعفراني ، ومحبوب ، والمنقري ، كلاهما عن أبي عمرو : بالياء فيهما .

وقرأ سلام : نؤته منها برفع الهاء ، وهي لغة الحجاز .