{ ولا تصّعر خدك للناس } : أي ولا تُعرض بوجهك عمن تكلمه تكبراً .
{ مرحا } : أي مختالا تمشي خيلاء .
{ مختال فخور } : أي متبختر فخور كثير الفخر مما أعطاه الله ولا يشكر .
وقوله تعالى { ولا تصعِّر خدك للناس } هذا مما قاله لقمان لابنه نهاه فيه عن خصال ذميمة محرمة وهي التكبر على الناس بأن يخاطبهم وهو معرض عنهم بوجهه لاو عنقه ، وهي مشية المرح والاختيال والتبختر ، والفخر بالنعم مع عدم شكرها وقوله تعالى { إن الله لا يحب كل مختال فخور } هذا مما قاله لقمان لابنه لما نهاه عن التكبر والاختيال والفخر أخبره أن الله تعالى لا يحب من هذه حاله حتى يتجنبها ولده الذي يعظه بها وبغيرها وقوله في الآية ( 19 ) { واقصد في مشيك } أي امش متَّئداً في غير عجلة ولا إسراع إذ الاقتصاد ضد الإِسراف .
وقوله : { واغضض من صوتك } أمره أن يقتصد في صوته أيضا فلا يرفع صوته إلا بقدر الحاجة . كالمقتصد لا يُخرج درهمه إلا عند الحاجة وبقدرها وقوله { إن أنكر الأصوات كصوت الحمير } ذكر هذه الجملة لينفره من رفع صوته بغير حاجة فذكر له أنَّ أقبح الأصوات صوت الحمير لأنه عال مرتفع وأوله زفير وآخره شهيق . هذا آخر ما قص تعالى من نبأ لقمان العبد الصالح عليه السلام .
- حرمة التكبر والاختيال في المشي ووجوب القصد في المشي والصوت فلا يسرع ولا يرفع صوته إلا على قدر الحاجة .
{ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } أي : لا تُمِلْهُ وتعبس بوجهك الناس ، تكبُّرًا عليهم ، وتعاظما .
{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا } أي : بطرا ، فخرا بالنعم ، ناسيا المنعم ، معجبا بنفسك . { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ }{[669]} في نفسه وهيئته وتعاظمه { فَخُور } بقوله .
الأولى- قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن : " تصاعر " بالألف بعد الصاد . وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد : " تُصَعّر " وقرأ الجحدري : " تُصْعر " بسكون الصاد ، والمعنى متقارب . والصعر : الميل ، ومنه قول الأعرابي : وقد أقام الدهر صعري ، بعد أن أقمت صعره . ومنه قول عمرو بن حني التغلبي :
وكنا إذا الجبار صَعَّرَ خدَّه *** أقمنا له من ميله فتقَوَّمِ{[12593]}
وأنشده الطبري : " فتقوما " . قال ابن عطية : وهو خطأ ؛ لأن قافية الشعر مخفوضة{[12594]} . وفي بيت آخر : أقمنا له من خده المتصعر . قال الهروي : " لا تصاعر " أي لا تعرض عنهم تكبرا عليهم . يقال : أصاب البعير صعر وصيد إذ أصابه داء يلوي منه عنقه . ثم يقال للمتكبر : فيه صعر وصيد . فمعنى : " لا تصعر " أي لا تلزم خدك الصعر . وفي الحديث : ( يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصعر أو أبتر ) والأصعر : المعرض بوجهه كبرا ، وأراد رذالة الناس الذين لا دين لهم . وفي الحديث : ( كل صعار ملعون ) أي كل ذي أبهة وكبر .
الثانية- معنى الآية : ولا تمل خدك للناس كبرا عليهم وإعجابا واحتقارا لهم . وهذا تأويل ابن عباس وجماعة . وقيل : هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره . فالمعنى : أقبل عليهم متواضعا مؤنسا مستأنسا ، وإذا حدثك أصغرهم فاصغ إليه حتى يكمل حديثه . وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل .
قلت : ومن هذا المعنى{[12595]} ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) . فالتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام ونحوه . وإنما قيل للإعراض تدابر لأن من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك ، وكذلك يصنع هو بك . ومن أحببته أقبلت عليه بوجهك وواجهته لتسره ويسرك ، فمعنى التدابر موجود فيمن صعر خده ، وبه فسر مجاهد الآية . وقال ابن خويز منداد : قوله : " ولا تصاعر خدك للناس " كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة ، ونحو ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ليس للإنسان أن يذل نفسه ) .
الثالثة- قوله تعالى : " ولا تمش في الأرض مرحا " أي متبخترا متكبرا ، مصدر في موضع الحال ، وقد مضى في " الإسراء " {[12596]} . وهو النشاط والمشي فرحا في غير شغل وفي غير حاجة . وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والخيلاء ، فالمرح مختال في مشيته . روى يحيى بن جابر الطائي عن ابن عائذ الأزدي عن غضيف بن الحارث قال : أتيت بيت المقدس أنا وعبد الله بن عبيد بن عمير{[12597]} قال : فجلسنا إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي فسمعته يقول : إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي ! ألم تعلم أني بيت الوحدة ! ألم تعلم أني بيت الظلمة ! ألم تعلم أني بيت الحق ! يا ابن آدم ما غرك بي ! لقد كنت تمشي حولي فدادا . قال ابن عائذ قلت لغُضيف : ما الفدّاد يا أبا أسماء ؟ قال : كبعض مشيتك يا ابن أخي أحيانا . قال أبو عبيد : والمعنى ذا مال كثير وذا خيلاء . وقال صلى الله عليه وسلم : ( من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ) . والفخور : هو الذي يعدد ما أعطي ولا يشكر الله تعالى . قاله مجاهد . وفي اللفظة الفخر بالنسب وغير ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.