{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل النار إن شاء الله أحد من أهل الشجرة الذين بايعوا تحتها " ، وفي الحديث : أنهم كانوا ألفا وأربعمائة وقيل : ألفا وخمسمائة وسبب هذه البيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ الحديبية وهي موضع على نحو عشرة أميال من مكة أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه رسولا إلى أهل مكة يخبرهم أنه إنما جاء ليعتمر وأنه لا يريد حربا فلما وصل إليهم عثمان حبسه أقاربه كرامة له فصرخ صارخ أن عثمان قد قتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة على القتال وأن لا يفر أحد " وقيل : بايعوه على الموت ثم جاء عثمان بعد ذلك سالما وانعقد الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على أن يرجع ذلك العام ويعتمر في العام القابل ، والشجرة المذكورة كانت سمرة هنالك ثم ذهبت بعد سنين فمر عمر بن الخطاب بالموضع في خلافته فاختلف الصحابة في موضعها .
{ فعلم ما في قلوبهم } يعني : من صدق الإيمان وصدق العزم على ما بايعوا عليه وقيل : من كراهة البيعة على الموت وهذا باطل لأنه ذم للصحابة وقد ذكرنا السكينة .
{ وأثابهم فتحا قريبا } يعني : فتح خيبر ، وقيل : فتح مكة والأول أشهر أي : جعل الله ذلك ثوابا لهم على بيعة الرضوان زيادة على ثواب الآخرة .
ولما وعد المطيع وأوعد العاصي ، وكانت النفوس إلى الوعد أشد التفاتاً ، دل عليه بثواب عظيم{[60361]} منه أمر محسوس يعظم جذبه للنفوس القاصرة عن النفوذ{[60362]} في عالم الغيب ، فقال مؤكداً لأن أعظم المراد به المذبذبون ، مفتتحاً بقد لأن السياق موجب للتوقع لما جرى من السنة الإلهية أنها إذا شوقت إلى شيء دلت عليه بمشهود يقرب الغائب الموعود : { لقد رضي الله } أي الذي له الجلال والجمال { عن المؤمنين } أي الراسخين في الإيمان ، أي فعل معهم فعل الراضي بما جعل لهم من الفتح وما قدر له من الثواب ، وأفهم ذلك أنه لم يرض عن الكافرين فخذلهم في الدنيا مع ما أعد لهم في الآخرة ، فالآيات تقرير لما ذكر من جزاء الفريقين بأمور مشاهدة .
ولما ذكر الرضى ، ذكر وقته للدلالة على سببه فقال : { إذ } أي حين ، وصور حالهم إعلاماً بأنها سارة معجبة شديدة الرسوخ في الرضى فقال : { يبايعونك } في عمرة الحديبية لما صد المشركون عن الوصول إلى البيت ، فبعثت عثمان رضي الله عنه إليهم ليخبرهم بأنك لم تجىء لقتال وإنما جئت للعمرة ، فبلغك أنهم قتلوه فندبت إلى البيعة لمناجزتهم فبايعك كل من كان معك على أن لا يفروا لتناجز بهم القوم ؛ وزاد الأمر بياناً وقيده تفضيلاً لأهل البيعة بقوله : { تحت الشجرة } واللام للعهد الذهني ، وكانت شجرة في الموضع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم نازلاً به في الحديبية ، ولأجل هذا الرضى سميت بيعة الرضوان ، وروى البغوى{[60363]} من طريق الثعلبي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة " .
ولما دل على إخلاصهم بما وصفهم ، سبب عنه قوله : { فعلم } أي لما له من الإحاطة { ما في قلوبهم } أي من مطابقته لما قالوا بألسنتهم في البيعة ، وأن ما حصل لبعضهم من الاضطراب في قبول الصلح والكآبة منه إنما هو لمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإيثار ما يريد من إعلاء دينه وإظهاره لا عن شك في الدين ، وسبب عن هذا العلم ترغيباً في-{[60364]} مثل هذا المحدث عنهم قوله : { فأنزل السكينة } أي بثبات القلوب وطمأنيتها في كل حالة ترضي الله ورسوله ، ودل على عظمها بحيث إنها تغلب الخوف وإن عظم بقوله : { عليهم } فأثر ذلك أنهم لم يخافوا عاقبة القتال لما ندبوا إليه وإن كانوا في كثرة الكفار كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ، لا آثر الصلح بما يتراءى فيه من الضعف وغيره{[60365]} من مخايل النقص في قلوبهم في ذلك المقام الدحض والمواطن الضنك إلا ريثما{[60366]} رأوا صدق عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضى أمره في ذلك بما يفعل ويقول .
ولما ذكر منّه سبحانه وتعالى عليهم بما هو الأصل الذي لا يبنى{[60367]} إلا عليه ، أتبعه آثاره فقال : { وأثابهم } أي أعطاهم جزاء لهم على ما وهبهم من الطاعة والسكينة فيها جزاء ، مقبلاً عليهم ، يملأ مواضع احتياجهم ، هو أهل{[60368]} لأن يقصده الإنسان ويتردد في طلبه لما له من الإقبال والمكنة والشمول { فتحاً } بما أوقع سبحانه من الصلح المترتب على تعجيز قريش عن القتال { قريباً * } بترك القتال الموجب بعد راحتهم وقوتهم وجمومهم{[60369]} لاختلاط بعض الناس ببعض فيدخل في الدين من كان مباعداً له لما يرى من محاسنه ، فسيكون الفتح الأعظم فتح لمكة المشرفة الذي هو سبب لفتح جميع البلاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.