لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

قوله جلّ ذكره : { لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنينَ إِذْ يُبَايِعُونكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } .

هذا بيعة الرضوان ، وهي البيعة تحت الشجرة بالحديبية ، وسميت بيعة الرضوان لقوله تعالى : { لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عِنِ . . . الْمُؤْمِنِينَ } .

وكانوا ألفاً وخمسمائة وقيل وثلاثمائة وقيل وأربعمائة . وكانوا قصدوا دخولَ مكة ، فلما بلغ ذلك المشركين قابلوهم صادِّين لهم عن المسجد الحرام مع أنه لم يكن خارجاً لحرب ، فقصده المشركون ، ثم صالحوه على أن ينصرفَ هذا العام ، ويقيم بها ثلاثاً ثم يخرج ، ( وأن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا ) وكان النبي قد رأى في منامه أنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين ، فبشر بذلك أصحابه ، فلما صدهم المشركون خامر قلوبَهم ، وعادت إلى قلوب بعضهم تهمةٌ حتى قال الصَّدِّيقُ : لم يَقُلْ العام ! فسكنت قلوبهم بنزول الآية ؛ لأن الله سبحانه علم في قلوبهم من الاضطراب والتشكك . فأنزل السكينة في قلوبهم . وثبَّتهم باليقين . { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } هو فتحُ خيبر بعد مدة يسيرة ، وما حصلوا عليه من مغانم كثيرةٍ من خيبر . وقيل ما يأخذونه إلى يوم القيامة .

وفي الآية دليلٌ على أنه قد تخطر ببال الإنسان خواطرُ مُشكِّكة ، وفي الرَّيب موقعة ، ولكن لا عبرة بها ؛ فإنّ الله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً لازم التوحيدُ قلبَه ، وقارن التحقيق سِرَّه فلا يضرُّه كيدُ الشيطان ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّن الشَّيَطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } [ الأعراف : 201 ] .