تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

الآية 18 وقوله تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } يحتمل قوله تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين } لما عزموا من الوفاء على ما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والتصديق لذلك والتحقيق لما عاهدوا من الوفاء . لذلك أخبر الله أن قد رضي الله عنه لذلك .

فنحن نستدل به على تصديق ذلك وتحقيقه ، وإن لم يخبرنا الله تعالى أنهم قد عزموا على ذلك . فيجوز لنا أن نشهد أنهم قد عزموا على الوفاء لذلك والتصديق له .

وقد يكون من الاستدلال ما تكون الشهادة له بالحق والصدق إذا كان في الدلالة مثل ما ذكرنا ، الله أعلم .

وقوله تعالى : { فعلم ما في قلوبهم } هذا يحتمل وجوها :

أحدها : ما ذكرنا : علم ما في قلوبهم من العزم على الوفاء والتصديق لما أعطوا بأيديهم من أنفسهم .

والثاني : علم ما في قلوبهم من الخوف والخشية . وذلك يتوجه وجهين :

أحدهما : أنهم خشُوا ألا يتهيأ لهم القيام لأهل مكة لأنهم كانوا مستعدّين للحرب والقتال ، وهم كانوا خرجوا لقضاء المناسك وزيارة البيت ، خشوا ألا يقوموا لهم ، فلم يفوا ما عاهدوا .

والثاني : خشوا ألا يقدروا على وفاء ما بايعوا ، وأعطوا ، لأن في ذلك مناصبة جميع أهل الأديان والمذاهب [ العِداء ]{[19570]} والله أعلم .

والثالث : علم ما في قلوبهم من الكراهة التي يذكرها أهل التأويل . لكن تلك الكراهة كراهة الطبع لا كراهة الاختيار لأنهم طمِعوا الوصول إلى البيت ، ورَجَوا دخولها . فلما جرى الصلح بينهم على ألاّ يدخلوا عامهم ذلك ، فانصرفوا . فاشتدّ ذلك عليهم ، فكرِهوا ذلك كراهة{[19571]} الطبع لا كراهة الاختيار . وقد يكره طبع الإنسان شيئا ، والخيار غيره كقوله عز وجل : { وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } [ النساء : 19 ] وكقول يوسف : { رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه } [ الآية : 33 ] محبة الاختيار لا محبّة الطبع إلى ما يدعونه .

وقوله تعالى : { فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } /519-أ/ أي أنزل عليهم ما يسكُن به قلوبهم لما علم تحقيق الوفاء لما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق ما أعطوا من أنفسهم { وأثابهم } فكان ما كانوا يرجون ، ويطمعون ، من دخول مكة وما كرهت أنفسهم من الرجوع { فتحا قريبا } وهو فتح مكة ، أو فتح خبير ، والله أعلم .


[19570]:ساقطة من الأصل وم.
[19571]:أدرج قبلها في الأصل وم: لكن.