لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

قوله عز وجل : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك } يعني بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ولا يفروا { تحت الشجرة } وكانت هذه الشجرة سمرة ( ق )عن طارق بن عبد الرحمن قال انطلقت حاجاً ، فمررت بقوم يصلون ، فقلت : ما هذا المسجد ؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان فأتيت ابن المسيب فأخبرته فقال سعيد : كان أبي ممن بايع تحت الشجرة قال : فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فعميت علينا فلم نقدر عليها . قال سعيد : فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها فأنتم أعلم فضحك . وفي رواية ، عن سعيد بن المسيب عن أبيه ، قال : لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد عام فلم أعرفها ، وروي أن عمر مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة ، فقال : أين كانت ؟ فجعل بعضهم يقول هاهنا وبعضهم يقول هاهنا فلما كثر اختلافهم قال : سيروا . ذهبت الشجرة . { خ } عن ابن عمر قال رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها وكانت رحمة من الله تعالى ( م )عن أبي الزبير ، أنه سمع جابراً يسأل : كم كانوا يوم الحديبية ؟ قال : كنا أربع عشرة مائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة فبايعناه جميعاً غير جد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره . زاد في رواية قال : بايعناه على أن لا نفر . ولم نبايعه على الموت . وأخرجه الترمذي عن جابر في قوله تعالى : { لقد رضي الله تعالى عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } . قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت . ( ق )عن عمرو بن دينار قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية . «أنتم اليوم خير أهل الأرض » وكنا ألفاً وأربعمائة قال : ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة . وروى سالم عن جابر قال : كنا خمس عشرة مائة ( ق )عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان أصحاب الشجرة ألفاً وثلثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين وهذه البيعة تسمى بيعة الرضوان لهذه الآية وكان سبب هذه البيعة على ما ذكر محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي حين نزل الحديبية فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل يقال له «الثعلب » ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعتهم الأحابيش ، فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فقال : يا رسول الله إني أخاف على نفسي قريشاً وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب إنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته وحمله بين يديه ثم أردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن تطوف بالبيت ، فطف به . فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتبسته قريش عندها فبلغ ، رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا نبرح حتى نناجز القوم » ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة وكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت قال بكير بن الأشج : بايعوه على الموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بل على ما استطعتم » وقد تقدم عن جابر ومعقل بن يسار أنهما قالا : لم نبايعه على الموت ، ولكن بايعناه على أن لا نفر . وقد تقدم أيضاً الجمع بين هذا وبين قول سلمة بن الأكوع بايعناه على الموت وكان أول من بايع بيعة الرضوان رجلاً من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب ، ولم يتخلف عن بيعة الرضوان أحد من المسلمين حضرها إلا جد بن قيس أخو بني سلمة قال جابر : فكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته يستتر بها من الناس ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل ( م ) عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة » عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر » أخرجه الترمذي وقال حديث غريب .

وقوله تعالى : { فعلم ما في قلوبهم } يعني من الصدق والإخلاص والوفاء كما علم ما في قلوب المنافقين من المرض والنفاق { فأنزل السكينة } يعني الطمأنينة { عليهم } يعني على المؤمنين المخلصين حتى ثبتوا وبايعوك على الموت وعلى أن لا يفروا وفي هذه الآية لطيفة ، وهي أن هذه البيعة كانت فيها طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك موجب لرضوان الله عز وجل وهو موجب لدخول الجنة ويدل عليه قوله تعالى في الآية المتقدمة { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } فثبت بهذا البيان أن أهل بيعة الرضوان من أهل الجنة ، ويشهد لصحة ما قلناه الحديث المتقدم .

فإن قلت الفاء في فعلم للتعقيب وعلم الله قبل الرضا ، لأنه تعالى علم ما في قلوبهم من الصدق والإيمان فرضي عنهم فكيف يفهم التعقيب في قوله { فعلم ما في قلوبهم } .

قلت : قوله { ما في قلوبهم } ، متعلق بقوله : { إذ يبايعونك } ، فيكون تقديره : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك فعلم ما في قلوبهم من الصدق إشارة إلى أن الرضا لم يكن عند المبايعة فحسب بل عند المبايعة التي عندها علم الله بصدقهم والفاء في قوله : فأنزل السكينة للتعقيب ، لأنه تعالى لما علم ما في قلوبهم رضي عنهم فأنزل السكينة عليهم .

وقوله تعالى : { وأثابهم فتحاً قريباً } يعني خيبر .