الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

{ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ } بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ، ولا يفروا . { تَحْتَ الشَّجَرَةِ } وكانت سمرة ، ويروى أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة ، فقال : أين كانت ؟ فجعل بعضهم يقول : هاهنا ، وبعضهم هاهنا ، فلمّا كثر اختلافهم قال : سيروا ، هذا التكلف ، وقد ذهبت الشجرة ، أما ذهب بها سيل وأمّا شيء سوى ذلك . " وكان سبب هذه البيعة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أُمية الخزاعي ، فبعثه إلى قريش بمكّة ، وحمله على جمل له يقال له : الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له ، وذلك حين نزل الحديبية .

فعقروا له جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعه الأحابيش ، فخلّوا سبيله حتّى أتى رسول الله ، فدعا رسول الله ( عليه السلام ) عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكّة ، فقال : يا رسول الله إنّي أخاف قريشاً على نفسي ، وليس بمكّة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها ، وغلظتي عليهم ، ولكنّي أدُّلك على رجل هو أعزّ بها منّي ، عثمان بن عفّان ، فدعا رسول الله عثمان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب ، وإنّما جاء زائراً لهذا البيت ، معظّماً لحرمته ، فخرج عثمان إلى مكّة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكّة ، أو قبل أن يدخلها ، فنزل عن دابّته وحمله بين يديه ، ثمّ ردفه وأجازه حتّى بلّغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ، فقال : ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول الله .

فاحتبسته قريش عندهم ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أنّ عثمان قد قُتل ، فقال رسول الله : " لا نبرح حتّى نناجز القوم " . ودعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله على الموت ، وقال بكير بن الأشج : بايعوه على الموت ، فقال رسول الله ( عليه السلام ) : " بل على ما استطعتم " " .

وقال عبد الله بن معقل : كنت قائماً على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم ، وبيدي غصن من السمرة ، أذبّ عنه ، وهو يبايع النّاس ، فلم يبايعهم على الموت ، وإنّما بايعهم على أن لا يفرّوا ، وقال جابر بن عبدالله : فبايع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم النّاس ولم يتخلّف عنه أحد من المسلمين حضرها إلاّ الجد بن قيس أخو بني سلمة ، لكأنّي أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته مستتراً بها من النّاس .

وكان أوّل من بايع بيعة الرضوان رجل من بني أسد يقال له : أبو سنان بن وهب . ثمّ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ الّذي ذُكر من أمر عثمان باطل ، واختلفوا في مبلغ عدد أهل بيعة الرضوان ، فروى شعبة ، عن عمرو بن مُرّة ، قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول : كنّا يوم الشجرة ألف وثلاثمائة ، وكانت أسلم يومئذ من المهاجرين .

وقال قتادة : كانوا خمسة عشر ومائة . وروى العوفي عن ابن عبّاس ، قال : كان أهل البيعة تحت الشجرة ألفاً وخمسمائة وخمسة وعشرون . وقال آخرون : كانوا ألفاً وأربعمائة .

أخبرنا الحسين بن محمّد بن منجويه ، حدّثنا علي بن أحمد بن نصرويه ، حدّثنا أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الخولي ، حدّثنا محمّد بن رمح ، حدّثنا الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل النّار أحدٌ ممّن بايع تحت الشجرة " .

{ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الصدق ، والصبر ، والوفاء . { فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } وهو خيبر