إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

{ لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين } هم الذينَ ذُكِرَ شأنُ مبايعتِهم . وبهذهِ الآيةِ سُميتْ بَيعةَ الرضوانِ . وقولُه تعالى { إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة } منصوبٌ برضي . وصيغةُ المضارعِ لاستحضارِ صورتِها ، وتحتَ الشجرِة متعلقٌ به أو بمحذوفٍ هو حالٌ من مفعولِه . رُويَ أنَّه عليه الصلاةُ والسَّلامُ لما نزلَ الحديبية بعثَ خراشَ بنَ أميةَ الخزاعيَّ رسولاً إلى أهلِ مكةَ فهمُّوا بهِ فمنَعُه الأحابيشُ فرجعَ فبعثَ عثمانَ بنَ عفانَ رضيَ الله عنه فأخبرَهُم أنَّه عليه الصلاةُ والسلامُ لم يأتِ لحربٍ وإنما جاء زائراً لهذا البيتِ مَعظماً لحرمتِه فوقّرُوه وقالُوا إنْ شئتَ أنْ تطوفَ بالبيتِ فافعلْ فقالَ ما كنتُ لأطوفَ قبلَ أنْ يطوفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم واحتبسَ عندهُم فأُرْجِفَ بأنَّهم قتلُوه فقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ : «لا نبرحُ حتى نناجزَ القومَ » ودعا الناسَ إلى البيعةِ فبايعُوه تحتَ الشجرةِ وكانتْ سَمُرةً{[734]} وقيلَ : سِدرةً على أن يقاتِلُوا قريشاً ولا يفرُّوا . ورُويَ على الموتِ دونَهُ وأنْ لا يفرُّوا فقالَ لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنتمُ اليومَ خيرُ أهلِ الأرضِ{[735]} وكانُوا ألفاً وخمسَمائةٍ وخمسةً وعشرينَ .

وقيلَ : ألفاً وأربعمائةِ . وقيلَ ألفاً : وثلثَمائةِ . وقولُه تعالى : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } عطفٌ على يُبايعونك لما عرفتَ من أنَّه بمعنى بايعوكَ لا على رضيَ فإن رضاهُ تعالى عنهم مترتبٌ على علمِه تعالى بما في قلوبِهم من الصدقِ والإخلاصِ عند مبايعتِهم له صلى الله عليه وسلم . وقولُه تعالَى { فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ } عطفٌ على رضيَ أي فأنزلَ عليهم الطُّمأنينةَ والأمنَ وسكونَ النفسِ بالربطِ على قلوبِهم وقيلَ : بالصلحِ . { وأثابهم فَتْحاً قَرِيباً } هو فتحٌ خيبرَ غِبَّ انصرافِهم من الحديبةِ كما مرَّ تفصيلُه .


[734]:السمرة: بضم الميم: من شجر الطلح، والسمر: ضرب من العضاه وقيل: من الشجر صغار الورق قصار الشوك وله برمة صفراء يأكلها الناس.
[735]:أخرجه مسلم في كتاب الإمارة حديث (3453)؛ وأحمد في المسند حديث (13793).