فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة ، وهي بيعة الرضوان وكانت بالحديبية ، وهذه الشجرة هي سمرة كانت بها ، وقيل : سدرة ، وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا وروي أنه بايعهم على الموت وأتى بصيغة المضارع لاستحضار صورة المبايعة والسمرة من شجر الطلح ، وجمهور المفسرين على أن المراد بالطلح في القرآن الموز ، وفي الصحيح عن ابن عمر أن الشجرة أخفيت ، والحكمة في ذلك أن لا يحصل الافتتان بها لما وقع تحتها من الخير ، فلو بقيت لما أمن تعظيم الجهال لها ، حتى ربما اعتقدوا أن لها قوة نفع أو ضر ، كما نشاهده الآن فيها دونها ، ولذلك أشار ابن عمر بقوله : كان خفاؤها رحمة من الله ، كذا في الفتح وشرح المواهب .

وعن نافع قال : " بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ، وقد تقدم ذكر عدد أهل هذه البيعة قريبا ، والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير ، وفي الباب أحاديث ذكرها الخازن وغيره{[1511]} ، والمعنى فعل بالراسخين في الإيمان فعل الراضي بما جعل لهم من الفتح ، وما قدر لهم من الثواب ، وأفهم ذلك أنه لم يرض عن الكافرين فخذلهم في الدنيا ، مع ما أعد لهم في الآخرة ، فالآية تقرير لما ذكر من جزاء الفريقين بأمور شاهدة ، ولأجل هذا الرضا سميت بيعة الرضوان .

{ فعلم } الله { ما في قلوبهم } أي علم ما فيها من الصدق والوفاء ، قاله الفراء ، وقال قتادة وابن جريج : من الرضا بأمر البيعة على أن لا يفروا ، وقال مقاتل : من كراهة البيعة على الموت { فأنزل السكينة } أي الطمأنينة وسكون النفس والأمن كما تقدم ، وقيل : الصبر { عليهم } أي على المؤمنين المخلصين ، حتى ثبتوا وبايعوا على الموت ، وعلى أن لا يفروا ، والآية تشير إلى أن أهل بيعة الرضوان من أهل الجنة ، لأن رضوان الله موجب لدخولها والأحاديث الصحيحة تدل لذلك ، قال ابن عباس : إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء .

{ وأثابهم فتحا قريبا } هو فتح خيبر عند انصرافهم من الحديبية ، قاله قتادة وابن أبي ليلة وغيرهما ، وقيل : فتح مكة والأول أولى .


[1511]:ابن حجر في الفتح 7/345.