اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

قوله تعالى : { لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين . . . } الآية لما بين حال المخلفين بعد قوله : { إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } [ الفتح : 10 ] عاد إلى بيان حال المبايعين .

قوله : { إِذْ يُبَايِعُونَكَ } منصوب ب «رَضِيَ » و «تَحْتَ الشَّجَرَة » يجوز أن يكون متعلقاً ب «يُبَايِعُونَكَ » وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من المفعول .

( «فصل »{[51740]}

المعنى : يبايعونك بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ، ولا يفروا . وقوله : «تَحْتَ الشَّجَرَة » وكانت سمرة قال سعيد بن المسيب : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال : فلما خرجنا من العام المقبل نَسِيناها فلم نقدر عليها . وروي أن عمر بن الخطاب مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال : أين كانت ؟ فجعل بعضهم يقول : ههنا ، وبعضهم ههنا ، فلما كثر اختلافهم قال : سيروا قد ذهبت الشجرة . وروى جابر بن عبد الله قال : «قَالَ لَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض ، وكنا ألفاً وأَرْبَعَمِائةٍ ولو كنت أبصر اليوم لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَة . وروى سالم عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لاَ يَدْخُلُ النار أحَد مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ){[51741]} » .

قوله : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الصدق والوفاء { فَأنزَلَ السكينة } الطمأنينة والرضا «عَلَيْهِمْ »

فإن قيل : الفاء للتعقيب وعلم الله قبل الرضا ؛ لأن علم ما في قلوبهم من الصدق فرضي عنهم فكيف يفهم التعقيب في العلم ؟

فالجواب : قال ابن الخطيب : إن قوله تعالى : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } متعلق بقوله : { إِذْ يُبَايِعُونَكَ } كما تقول : «فَرِحْتُ أَمس إِذْ كَلَّمت{[51742]} زَيْداً فَقَامَ لي ، وإذْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَكْرَمِني » فيكون الفرح بعد الإكرام مرتباً كذلك ههنا قال تعالى : { لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ . . . فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الصدق إشارة إلى أن الرضا لا يكون عند المبايعة ( حَسْب{[51743]} بل عند المبايعة ){[51744]} التي كان معها علم الله بصدقهم . والفاء في قوله { فَأنزَلَ السكينة } للتعقيب المذكور ، فإنه تعالى رضي عنهم فأنزل السكينة عليهم .

وفي قوله : «فَعَلِمَ » لبيان وصف المبايعة يكون ( ها ){[51745]} معقبة بالعلم بالصدق الذي في قلوبهم .

قوله : { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } يعني فتح خيبر .


[51740]:هذا الفصل كله ساقط من ب.
[51741]:وانظر القرطبي 16/274، 277 والكشاف 3/546 والبحر 8/96.
[51742]:كذا في تفسير الرازي وأ وفي ب كلم.
[51743]:في الرازي: فحسب.
[51744]:ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
[51745]:لفط (ها) زيادة للسياق من الرازي.