{ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في منامه عند خروجه إلى العمرة أنه يطوف بالبيت هو وأصحابه بعضهم محلقون وبعضهم مقصرون ، وروي : أنه أتاه ملك في النوم فقال له : { لتدخلن المسجد الحرام } الآية : فأخبر الناس برؤياه ذلك فظنوا أن ذلك يكون في ذلك العام فلما صده المشركون عن العمرة عام الحديبية قال المنافقون : أين الرؤيا ، ووقع في نفوس المسلمين شيء من ذلك فأنزل الله تعالى : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } أي : تلك الرؤيا الصادقة وسيخرج تأويلها بعد ذلك فاطمأنت قلوب المؤمنين وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل هو وأصحابه فدخلوا مكة واعتمروا وأقاموا بمكة ثلاثة أيام وظهر صدق رؤياه وتلك عمرة القضية ثم فتح مكة بعد ذلك ثم حج هو وأصحابه وصدق في هذا الموضع يتعدى إلى مفعولين ، وبالحق يتعلق بصدق أو بالرؤيا على أن يكون حالا منها .
{ إن شاء الله } لما كان الاستثناء بمشيئة الله يقتضي الشك في الأمر ، وذلك محال على الله ، اختلف في هذا الاستثناء على خمسة أقوال :
الأول : أنه استثناء قاله الملك الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فحكى الله مقالته كما وقعت .
الثاني : أنه تأديب من الله لعباده ليقولون إن شاء الله في أمر مستقبل .
الثالث : أنه استثناء بالنظر إلى كل إنسان على حدته لأنه يمكن أن يتم له الأمر أو يموت أو يمرض فلا يتم له .
الرابع : أن الاستثناء راجع إلى قوله آمنين لا لدخول المسجد .
الخامس : أن إن شاء الله بمعنى إذا شاء الله .
{ محلقين رؤوسكم ومقصرين } الحلق والتقصير من سنة الحج والعمرة . والحلق أفضل من التقصير ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله المحلقين ثلاثا ثم قال في المرة الأخيرة : والمقصرين " .
{ فعلم ما لم تعلموا } يريد ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة فإنه لما انعقد الصلح وارتفعت الحرب ورغب الناس في الإسلام فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية في ألف وخمسمائة وقيل : ألف وأربعمائة وغزا غزوة الفتح بعدها بعامين ومعه عشرة آلاف { فجعل من دون ذلك فتحا قريبا } يعني : فتح خيبر ، وقيل : بيعة الرضوان وقيل : صلح الحديبية ، وهذا هو الأصح لأن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أفتح هو يا رسول الله ، قال : " نعم " وقيل : هو فتح مكة وهذا ضعيف ، لأن معنى قوله : { من دون ذلك } قبل دخول المسجد الحرام وإنما كان فتح مكة بعد ذلك فإن الحديبية كانت عام ستة من الهجرة وعمرة القضية عام سبعة وفتح مكة عام ثمانية .
ولما {[60478]}قرر سبحانه وتعالى علمه{[60479]} بالعواقب لإحاطة علمه ووجه أسباب كفه أيدي الفريقين وبين ما فيه من المصالح وما في التسليط من المفاسد من قتل{[60480]} من حكم بإيمانه من المشركين وإصابة من لا يعلم{[60481]} من المؤمنين - وغير ذلك إلى أن ختم بإحاطة علمه المستلزم لشمول قدرته . أنتج ذلك قوله لمن توقع الإخبار عن الرؤيا التي أقلقهم أمرها وكاد بعضهم أن يزلزله ذكرها على سبيل التأكيد : { لقد } .
ولما كان للنظر إلى الرؤيا اعتباران : أحدهما من جهة الواقع وهو غيب{[60482]} عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين : والآخر من جهة الإخبار وهو مع الرؤيا شهادة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ، عبر بالصدق والحق فقال تعالى : { صدق الله } أي الملك الذي لا كفوء له المحيط بجميع صفات الكمال { رسوله } صلى الله عليه وسلم الذي هو أعز الخلائق عنده وهو غني عن الإخبار عما لا يكون أنه يكون ، فكيف إذا كان المخبر رسوله { الرؤيا } التي هي من الوحي لأنه سبحانه يرى الواقع ويعلم مطابقتها في أنكم تدخلون المسجد الحرام آمنين يحلق بعض ويقصر{[60483]} آخرون ، متلبساً خبره ورؤيا رسوله صلى الله عليه وسلم { بالحق } لأن مضمون الخبر إذا وقع فطبق بين الواقع وبينه ، وكان الواقع يطابقه لا يخرم {[60484]}شيء منه{[60485]} عن شيء منه{[60486]} ، والحاصل أنك إذا نسبتها للواقع طابقته فكان صدقاً ، وإذا نسبت الواقع إليها طابقها فكانت{[60487]} حقاً .
ولما أقسم لأجل التأكيد لمن كان يتزلزل ، أجابه بقوله مؤكداً بما يفهم القسم أيضاً إشارة إلى عظم الزلزال : { لتدخلن } أي بعد هذا دخولاً قد-{[60488]} تحتم أمره { المسجد } أي الذي يطاف {[60489]}فيه بالكعبة{[60490]} ولا يكون دخوله إلى بدخول الحرم { الحرام } أي{[60491]} الذي أجاره الله من امتهان الجبابرة ومنعه من كل ظالم .
ولما كان لا يجب عليه سبحانه وتعالى شيء وإن وعد به ، أشار إلى ذلك بقوله تأديباً لهم أن يقول أحد منهم بعد ذلك : ألم يقل أننا ندخل البيت ونحو ذلك ، ولغيرهم{[60492]} أن يقول : نحن ندخل : { إن شاء الله } أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال ، حال كونكم { آمنين } لا تخشون إلا-{[60493]} الله منقسمين بحسب التحليق والتقصير إلى قسمين { محلقين رءوسكم } ولعله أشار بصيغة التفعيل إلى أن فاعل الحلق{[60494]} كثير ، وكذا { ومقصرين } غير أن التقديم يفهم أن الأول أكثر .
ولما كان الدخول حال الأمن لا يستلزم الأمن بعده قال تعالى : { لا تخافون } أي لا يتجدد لكم خوف بعد ذلك إلى أن تدخلوا عليهم عام الفتح قاهرين {[60495]}لهم بالنصر{[60496]} . ولما كان من المعلوم أن سبب هذا الإخبار إحاطة العلم ، فكان التقدير ، هذا أمر حق يوثق غاية الوثوق لأنه إخبار عالم الغيب والشهادة ، صدق سبحانه فيه ، وما ردكم عنه هذه الكرة على هذا الوجه إلا لأمور دبرها وشؤون أحكمها وقدرها ، قال عاطفاً على { صدق{[60497]} } مسبباً عنه أو معللاً : { فعلم } أي بسبب ، أو لأنه علم من أسباب الفتح وموانعه وبنائه{[60498]} على الحكمة { ما لم تعلموا } أي أيها{[60499]} الأولياء { فجعل } أي{[60500]} بسب إحاطة علمه { من دون } أي أدنى رتبة من-{[60501]} { ذلك } أي الدخول العظيم في هذا العام { فتحاً قريباً * } يقويكم به من فتح خيبر ووضع الحرب بين العرب بهذا الصلح ، واختلاط بعض الناس بسبب{[60502]} ذلك ببعض ، الموجب لإسلام{[60503]} بشر كثير تتقوون بهم ، فتكون تلك الكثرة والقوة سبب هيبة الكفار المانعة لهم من القتال ، فتقل القتلى رفقاً بأهل حرم الله تعالى إكراماً لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن إغارة قومه وإصابة من عنده{[60504]} من المسلمين المستضعفين من غير علم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.