نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا} (27)

ولما {[60478]}قرر سبحانه وتعالى علمه{[60479]} بالعواقب لإحاطة علمه ووجه أسباب كفه أيدي الفريقين وبين ما فيه من المصالح وما في التسليط من المفاسد من قتل{[60480]} من حكم بإيمانه من المشركين وإصابة من لا يعلم{[60481]} من المؤمنين - وغير ذلك إلى أن ختم بإحاطة علمه المستلزم لشمول قدرته . أنتج ذلك قوله لمن توقع الإخبار عن الرؤيا التي أقلقهم أمرها وكاد بعضهم أن يزلزله ذكرها على سبيل التأكيد : { لقد } .

ولما كان للنظر إلى الرؤيا اعتباران : أحدهما من جهة الواقع وهو غيب{[60482]} عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين : والآخر من جهة الإخبار وهو مع الرؤيا شهادة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ، عبر بالصدق والحق فقال تعالى : { صدق الله } أي الملك الذي لا كفوء له المحيط بجميع صفات الكمال { رسوله } صلى الله عليه وسلم الذي هو أعز الخلائق عنده وهو غني عن الإخبار عما لا يكون أنه يكون ، فكيف إذا كان المخبر رسوله { الرؤيا } التي هي من الوحي لأنه سبحانه يرى الواقع ويعلم مطابقتها في أنكم تدخلون المسجد الحرام آمنين يحلق بعض ويقصر{[60483]} آخرون ، متلبساً خبره ورؤيا رسوله صلى الله عليه وسلم { بالحق } لأن مضمون الخبر إذا وقع فطبق بين الواقع وبينه ، وكان الواقع يطابقه لا يخرم {[60484]}شيء منه{[60485]} عن شيء منه{[60486]} ، والحاصل أنك إذا نسبتها للواقع طابقته فكان صدقاً ، وإذا نسبت الواقع إليها طابقها فكانت{[60487]} حقاً .

ولما أقسم لأجل التأكيد لمن كان يتزلزل ، أجابه بقوله مؤكداً بما يفهم القسم أيضاً إشارة إلى عظم الزلزال : { لتدخلن } أي بعد هذا دخولاً قد-{[60488]} تحتم أمره { المسجد } أي الذي يطاف {[60489]}فيه بالكعبة{[60490]} ولا يكون دخوله إلى بدخول الحرم { الحرام } أي{[60491]} الذي أجاره الله من امتهان الجبابرة ومنعه من كل ظالم .

ولما كان لا يجب عليه سبحانه وتعالى شيء وإن وعد به ، أشار إلى ذلك بقوله تأديباً لهم أن يقول أحد منهم بعد ذلك : ألم يقل أننا ندخل البيت ونحو ذلك ، ولغيرهم{[60492]} أن يقول : نحن ندخل : { إن شاء الله } أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال ، حال كونكم { آمنين } لا تخشون إلا-{[60493]} الله منقسمين بحسب التحليق والتقصير إلى قسمين { محلقين رءوسكم } ولعله أشار بصيغة التفعيل إلى أن فاعل الحلق{[60494]} كثير ، وكذا { ومقصرين } غير أن التقديم يفهم أن الأول أكثر .

ولما كان الدخول حال الأمن لا يستلزم الأمن بعده قال تعالى : { لا تخافون } أي لا يتجدد لكم خوف بعد ذلك إلى أن تدخلوا عليهم عام الفتح قاهرين {[60495]}لهم بالنصر{[60496]} . ولما كان من المعلوم أن سبب هذا الإخبار إحاطة العلم ، فكان التقدير ، هذا أمر حق يوثق غاية الوثوق لأنه إخبار عالم الغيب والشهادة ، صدق سبحانه فيه ، وما ردكم عنه هذه الكرة على هذا الوجه إلا لأمور دبرها وشؤون أحكمها وقدرها ، قال عاطفاً على { صدق{[60497]} } مسبباً عنه أو معللاً : { فعلم } أي بسبب ، أو لأنه علم من أسباب الفتح وموانعه وبنائه{[60498]} على الحكمة { ما لم تعلموا } أي أيها{[60499]} الأولياء { فجعل } أي{[60500]} بسب إحاطة علمه { من دون } أي أدنى رتبة من-{[60501]} { ذلك } أي الدخول العظيم في هذا العام { فتحاً قريباً * } يقويكم به من فتح خيبر ووضع الحرب بين العرب بهذا الصلح ، واختلاط بعض الناس بسبب{[60502]} ذلك ببعض ، الموجب لإسلام{[60503]} بشر كثير تتقوون بهم ، فتكون تلك الكثرة والقوة سبب هيبة الكفار المانعة لهم من القتال ، فتقل القتلى رفقاً بأهل حرم الله تعالى إكراماً لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن إغارة قومه وإصابة من عنده{[60504]} من المسلمين المستضعفين من غير علم .


[60478]:من ظ ومد، وفي الأصل: تقرر علمه سبحانه وتعالى.
[60479]:من ظ ومد، وفي الأصل: تقرر علمه سبحانه وتعالى.
[60480]:من ظ ومد، وفي الأصل: قبل.
[60481]:من مد، وفي الأصل و ظ: علم له.
[60482]:من مد، وفي الأصل و ظ: غيبا.
[60483]:من ظ ومد، وفي الأصل: تقصير.
[60484]:من مد، وفي الأصل و ظ: منه شيء.
[60485]:من مد، وفي الأصل و ظ: منه شيء.
[60486]:زيد في الأصل: انتهى، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[60487]:زيد في الأصل: في الحقيقة، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[60488]:زيد من مد.
[60489]:من مد، وفي الأصل و ظ: به بالكعبة.
[60490]:من مد، وفي الأصل و ظ: به بالكعبة.
[60491]:سقط من ظ.
[60492]:من مد، وفي الأصل و ظ: لغيره.
[60493]:زيد من ظ ومد.
[60494]:في الأصل و ظ بياض ملأناه من مد.
[60495]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[60496]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[60497]:زيد في الأصل: الوعد، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[60498]:من مد، وفي الأصل و ظ: بيانه.
[60499]:سقط من ظ ومد.
[60500]:سقط من ظ ومد.
[60501]:زيد من مد.
[60502]:زيد في الأصل: عن، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[60503]:من ظ ومد، وفي الأصل: بإسلام.
[60504]:زيد في الأصل: عن، ولم تكن الزيادة في ظ ومد، وفي الأصل: عندهم.