الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا} (27)

قوله : { لَّقَدْ صَدَقَ } : صَدَقَ يتعدَّى لاثنين ثانيهما بحرفِ الجرِّ يُقال : صَدَقْتُكَ في كذا . وقد يُحْذَفُ كهذه الآيةِ .

قوله : " بالحَقِّ " فيه أوجهٌ ، أحدُها : أَنْ يتعلَّق ب " صدق " . الثاني : أَنْ يكونَ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ أي : صِدْقاً مُلْتَبساً بالحق . الثالث : أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " الرؤيا " أي : مُلْتبسةً بالحق . الرابع : أنَّه قسمٌ وجوابُه " لَتَدْخُلُنَّ " فعلى هذا يُوقف على " الرؤيا " ويُبْتَدَأُ بما بعدَها .

قوله : " لَتَدْخُلُنَّ " جوابُ قسمٍ مضمرٍ ، أو لقوله : " بالحق " على ذلك القولِ . وقال أبو البقاء : " و " لَتَدْخُلُنَّ " تفسيرٌ للرؤيا أو مستأنَفٌ أي : والله لَتَدْخُلُنَّ " ، فجعل كونَه جوابَ قسمٍ قسيماً لكونِه تفسيراً للرؤيا . وهذا لا يَصِحُّ البتةَ ، وهو أَنْ يكونَ تفسيراً للرؤيا غيرَ جوابٍ لقسم ، إلاَّ أَنْ يريدَ أنه جوابُ قسمٍ ، لكنه يجوزُ أَنْ يكونَ هو مع القسم تفسيراً ، وأن يكونَ مستأنفاً غيرَ تفسيرٍ وهو بعيدٌ من عبارته .

قوله : " آمِنين " حالٌ مِنْ فاعل " لَتَدْخُلُنَّ " وكذا " مُحَلِّقين ومُقَصِّرِين " ، ويجوزُ أَنْ يكونَ " مُحَلِّقين " حالاً مِنْ " آمِنين " فتكونَ متداخلةً .

قوله : " لا تَخافون " يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً ، وأنْ يكونَ حالاً ثالثةً ، وأَنْ يكونَ حالاً : إمَّا مِنْ فاعل " لَتَدْخُلُنَّ " أو مِنْ ضميرِ " آمنين " أو " مُحَلِّقين " أو " مقصِّرين " . فإن كانَتْ حالاً مِنْ " آمِنين " أو حالاً من فاعل " لَتَدْخُلُنَّ " فهي حالٌ للتوكيد و " آمنين " حالٌ مقاربةٌ ، وما بعدها حالٌ مقدرةٌ إلاَّ قولَه : " لا تَخافون " إذا جُعِل حالاً فإنها مقارنةٌ أيضاً .