التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

{ وما أمروا } الآية : معناها : ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا بعبادة الله ، ولكنهم حرفوا وبدلوا ، ويحتمل أن يكون المعنى ما أمروا في القرآن إلا بعبادة الله ، فلأي شيء ينكرونه ويكفرون به . { مخلصين له الدين } استدل المالكية بهذا على وجوب النية في الوضوء وهو بعيد ، لأن الإخلاص هنا يراد به التوحيد وترك الشرك أو ترك الرياء ، وذلك أن الإخلاص مطلوب في التوحيد وفي الأعمال ، وهذا الإخلاص في التوحيد هو الشرك الجلي ، وهذا الإخلاص في الأعمال هو الشرك الخفي ، وهو الرياء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرياء الشرك الأصغر " ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه تعالى يقول : " أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه " واعلم أن الأعمال ثلاثة أنواع : مأمورات ، ومنهيات ومباحات ، فأما المأمورات : فالإخلاص فيها عبارة عن خلوص النية لوجه الله بحيث لا يشوبها بنية أخرى ، فإن كانت كذلك فالعمل خالص مقبول ، وإن كانت النية لغير وجه الله من طلب منفعة دنيوية أو مدح أو غير ذلك فالعمل رياء محض مردود ، وإن كانت النية مشتركة ففي ذلك تفصيل فيه نظر واحتمال . وأما المنهيات : فإن تركها دون نية خرج عن عهدتها ، ولم يكن له أجر في تركها وإن تركها ، بنية وجه الله حصل له الخروج عن عهدتها مع الأجر . وأما المباحات : كالأكل والنوم والجماع وشبه ذلك فإن فعلها بغير نية لم يكن له فيها أجر ، وإن فعلها بنية وجه الله فله أجر ، فإن كل مباح يمكن أن يصير قربة إذا قصد به وجه الله مثل أن يقصد بالأكل القوة على العبادة ، ويقصد بالجماع التعفف عن الحرام .

{ حنفاء } جمع حنيف وقد ذكر .

{ وذلك دين القيمة } تقديره الملة القيمة ، أو الجماعة القيمة ، وقد فسرنا القيمة ، ومعناه : أن الذي أمروا به من عبادة الله ، والإخلاص له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة هو دين الإسلام ، فلأي شيء لا يدخلون فيه ؟