تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

يقول تعالى مخبرًا عمن أسلم وجهه لله ، أي : أخلص له العمل وانقاد لأمره واتبع شرعه ؛ ولهذا قال : { وَهُوَ مُحْسِنٌ } أي : في عمله ، باتباع ما به أمر ، وترك ما عنه زجر ، { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } أي : فقد أخذ موثقا من الله متينًا أنه لا يعذبه ، { وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ وَإِلَىَ اللّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ } .

يقول تعالى ذكره : ومن يعبد وجهه متذللاً بالعبودة ، مقرّا له بالألوهة وَهُوَ مُحْسِنٌ يقول : وهو مطيع لله في أمره ونهيه فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى يقول : فقد تمسك بالطرف الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه من تمسك به وهذا مثل إنما يعني بذلك أنه قد تمسك من رضا الله بإسلامه وجهه إليه وهو محسن ، ما لا يخاف معه عذاب الله يوم القيامة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي السوداء ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلى اللّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى قال : لا إله إلاّ الله .

وقوله وَإلى اللّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ يقول : وإلى الله مرجع عاقبة كلّ أمر خيره وشرّه ، وهو المسائل أهله عنه ، ومجازيهم عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

لما ذكر تعالى حال الكفرة أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين ليبين الفرق وتتحرك النفوس إلى طلب الأفضل ، وقرأت عامة القراء «يسْلم » بسكون السين وتخفيف اللام .

وقرأ عبد الله بن مسلم وأبو عبد الرحمن «يسَلّم » بفتح السين وشد اللام ومعناه يخلص ويوجه ويستسلم به{[9379]} ، و «الوجه » هنا الجارحة استعير للمقصود لأن القاصد للشيء فهو مستقبله بوجهه فاستعير ذلك للمقاص ، و «المحسن » الذي جمع القول والعمل ، وهو الذي شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإحسان{[9380]} ، و { العروة الوثقى } استعارة للأمر المنجي الذي لا يخاف عليه استحالة ولا إخلال والعرى موضع التعليق فكأن المؤمن متعلق بأمر الله فشبه ذلك { بالعروة } ، و { الأمور } جمع أمر وليس بالمضاد للنهي .


[9379]:عدي الفعل [يسلم] هنا ب (إلى) فقيل: {ومن يسلم وجهه إلى الله} لأن المعنى أنه سلم نفسه إلى الله تعالى، كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه، والمراد: التوكل عليه والتفويض إليه. وعدي باللام في قوله تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله} لأن المعنى أنه جعل وجهه وهو ذاته سالما لله، أي: خالصا له.
[9380]:وذلك في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم، وفيه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، وأجابه صلوات الله وسلامه عليه، ثم سأله عن الساعة، فأجابه عن علاماتها، وكان فيما قال له عن الإسلام: (الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان). وقد سبق ذكر هذا الحديث عند تفسير قوله تعالى: {هدى ورحمة للمحسنين} من هذه السورة. الآية رقم 3 ص 482 وما بعدها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

هذا مقابل قوله { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم } [ لقمان : 20 ] إلى قوله : { يدعوهم إلى عذاب السعير } [ لقمان : 21 ] ، فأولئك الذين اتبعوا ما وجدوا ءاباءهم عليه من الشرك على غير بصيرة فوقعوا في العذاب ، وهؤلاء الذين لم يتمسكوا بدين آبائهم وأسلموا لله لما دعاهم إلى الإسلام فلم يصدّهم عن اتباع الحق إلف ولا تقديس آباء ؛ فأولئك تعلقوا بالأوهام واستمسكوا بها لإرضاء أهوائهم ، وهؤلاء استمسكوا بالحق إرضاء للدليل وأولئك أرضوا الشيطان وهؤلاء اتّبعوا رضى الله .

وإسلام الوجه إلى الله تمثيل لإفراده تعالى بالعبادة كأنه لا يقبل بوجهه على غير الله ، وقد تقدم في قوله تعالى { بَلى مَن أسلم وجهه لله وهو محسن } في سورة البقرة ( 112 ) ، وقوله { فَقُل أسلَمْتُ وجهيَ لله } في سورة آل عمران ( 20 ) .

وتعدية فعل { يُسْلم } بحرف { إلى } هنا دون اللام كما في آيتي سورة البقرة ( 112 ) وسورة آل عمران ( 20 ) عند الزمخشري مجاز في الفعل بتشبيه نفس الإنسان بالمتاع الذي يدفعه صاحبه إلى آخر ويَكِلُه إليه . وحقيقته أن يعدى باللام ، أي وجهه وهو ذاته سالماً لله ، أي خالصاً له كما في قوله تعالى { فإن حاجُّوك فقل أسلمتُ وجهيَ لله } في سورة آل عمران ( 20 ) .

والإحسان : العمل الصالح والإخلاص في العبادة . وفي الحديث : الإحسان أن تعبد الله كأنه تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . والمعنى : ومن يسلم إسلاماً لا نفاق فيه ولا شك فقد أخذ بما يعتصم به من الهُوِيّ أو التزلزل .

وقوله { فقد استمسك بالعروة الوثقى } مضى الكلام على نظيره عند قوله تعالى { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } في سورة البقرة ( 25 ) ، وهو ثناء على المسلمين . وتذييل هذا بقوله { وإلى الله عاقبة الأمور } إيماء إلى وعدهم بلقاء الكرامة عند الله في آخر أمرهم وهو الحياة الآخرة .

والتعريف في { الأمور } للاستغراق ، وهو تعميم يراد به أن أمور المسلمين التي هي من مشمولات عموم الأمور صائرة إلى الله وموكولة إليه فجزاؤهم بالخير مناسب لعظمة الله .

والعاقبة : الحالة الخاتمة والنهاية . و { الأمور : جمع أمر وهو الشأن .

وتقديم { إلى الله } للاهتمام والتنبيه إلى أن الراجع إليه يلاقي جزاءه وافياً .