فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

{ وجهه } ذاته .

{ بالعروة الوثقى } كالذي تمسك بعقدة من حبل قوي مأمون انقطاعه .

{ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى } بينت الآيتان السابقتان على هذه باطل الضالين ، وخسار الكافرين ، وسفه عقولهم ، واقتدائهم في الهلاك بشياطينهم وآبائهم – وبشرت هذه الآية المباركة بما يدرك المؤمن بالحق ، المستقيم على الرشد من سلامة وحسن مآل ، فمن أسلم ذاته ووجهته إلى شرعة الله ومنهاجه ، فصفا ورسخ يقينه ، ووفى بعهد ربه وميثاقه ، فعبد المولى الرقيب الحسيب كأنه يراه ، فحقيق أن يكون هذا من الناجين من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، المفلحين في الأولى والعقبى ، كما جاءت البشرى بذلك في قوله تعالى : ) . . فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم( {[3448]} .

[ { وهو محسن } لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة قلب لا تنفع . . فإن قلت : ماله عدي ب{ إلى } ، وقد عدي باللام في قوله عز وجل : )بلى من أسلم وجهه لله . . ( {[3449]} ؟ قلت : معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما لله- أي خالصا له- ، ومعناه مع { إلى } راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه ، والمراد التوكل عليه ، والتفويض إليه ، { وإلى الله عاقبة الأمور } أي مصيرها . ]{[3450]} يقول ابن كثير : { فقد استمسك بالعروة الوثقى } أي فقد أخذ موثقا من الله متينا أنه لا يعذبه . اه- والنعم الظاهرة : كل ما يوجد إلى الحس الظاهر إليه سبيل ، ومن جملتها الحواس أنفسها ، والباطنة : ما لا يدرك إلا بالحس الباطن ، أو بالعقل ، أو لا يعلم أصلا-{[3451]} .


[3448]:سورة البقرة. من الآية 256.
[3449]:سورة البقرة. من الآية 112.
[3450]:ما بين العلامتين[ ] أورده القرطبي.
[3451]:ما بين العارضتين مما جاء في تفسير غرائب القرآن.