السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

ولما بين تعالى حال المشرك والمجادل في الله بين تعالى حال المسلم المستسلم لأمر الله تعالى بقوله تعالى : { ومن يسلم } أي : في الحال والاستقبال { وجهه } أي : قصده وتوجهه وذاته كلها { إلى الله } أي : الذي له صفات الكمال بأن فوض أمره إليه فلم يبق لنفسه أمر أصلاً فهو لا يتحرك إلا بأمر من أوامره سبحانه { وهو } أي : والحال أنه { محسن } أي : مخلص بباطنه كما أخلص بظاهره فهو دائماً في حال الشهود { فقد استمسك } أي : أوجد الإمساك بغاية ما يقدر عليه من القوّة في تأدية الأمور { بالعروة الوثقى } أي : اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه ؛ لأنّ أوثق العرى جانب الله تعالى فإن كل ما عداه هالك منقطع وهو باق لا انقطاع له ، وهذا من باب التمثيل مثل حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق جبل فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه ، فإن قيل كيف قال ههنا { ومن يسلم وجهه إلى الله } فعداه بإلى ، وقال في البقرة { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن } ( البقرة : 112 ) فعداه باللام ؟ أجيب : بأن أسلم يتعدّى تارة باللام ، وتارة بإلى ، كما يتعدّى أرسل تارة باللام وتارة بإلى قال تعالى { وأرسلناك للناس رسولاً } ( النساء ، 79 ) وقال تعالى { كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً } ( المزمل ، 15 ) { وإلى الله } أي : الملك الأعلى { عاقبة الأمور } أي : مصير جميع الأشياء إليه ، كما أنّ منه باديتها ، وإنما خص العاقبة لأنهم مقرون بالبادية .