المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

لما ذكر تعالى حال الكفرة أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين ليبين الفرق وتتحرك النفوس إلى طلب الأفضل ، وقرأت عامة القراء «يسْلم » بسكون السين وتخفيف اللام .

وقرأ عبد الله بن مسلم وأبو عبد الرحمن «يسَلّم » بفتح السين وشد اللام ومعناه يخلص ويوجه ويستسلم به{[9379]} ، و «الوجه » هنا الجارحة استعير للمقصود لأن القاصد للشيء فهو مستقبله بوجهه فاستعير ذلك للمقاص ، و «المحسن » الذي جمع القول والعمل ، وهو الذي شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإحسان{[9380]} ، و { العروة الوثقى } استعارة للأمر المنجي الذي لا يخاف عليه استحالة ولا إخلال والعرى موضع التعليق فكأن المؤمن متعلق بأمر الله فشبه ذلك { بالعروة } ، و { الأمور } جمع أمر وليس بالمضاد للنهي .


[9379]:عدي الفعل [يسلم] هنا ب (إلى) فقيل: {ومن يسلم وجهه إلى الله} لأن المعنى أنه سلم نفسه إلى الله تعالى، كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه، والمراد: التوكل عليه والتفويض إليه. وعدي باللام في قوله تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله} لأن المعنى أنه جعل وجهه وهو ذاته سالما لله، أي: خالصا له.
[9380]:وذلك في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم، وفيه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، وأجابه صلوات الله وسلامه عليه، ثم سأله عن الساعة، فأجابه عن علاماتها، وكان فيما قال له عن الإسلام: (الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان). وقد سبق ذكر هذا الحديث عند تفسير قوله تعالى: {هدى ورحمة للمحسنين} من هذه السورة. الآية رقم 3 ص 482 وما بعدها.