تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٞ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِيٓ أَنفُسِهِمۡ إِنِّيٓ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (31)

يخبرهم أنه رسول من الله ، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، بإذن الله له في ذلك ، ولا يسألهم على ذلك أجرا ، بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع ، فمن استجاب له فقد نجا . ويخبرهم{[14574]} أنه لا يَقدِر على التصرف في خزائن الله ، ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه ، وليس هو بمَلك من الملائكة ، بل بشر مرسل ، مؤيد بالمعجزات . ولا أقولُ عن هؤلاء الذين تحتقرونهم وتزدرونهم{[14575]} : إنه{[14576]} ليس لهم عند الله ثواب على إيمانهم الله أعمل بما في أنفسهم ، فإن كانوا مؤمنين باطنًا ، كما هو الظاهر من حالهم ، فلهم جزاء الحسنى ، ولو قطع لهم أحد بشر بعد ما آمنوا ، لكان ظالما قائلا ما لا علم له به .


[14574]:- في ت : "وتخبرهم".
[14575]:- في ت ، أ : "يحتقرونهم ويزدرونهم".
[14576]:- في أ : "إنهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٞ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِيٓ أَنفُسِهِمۡ إِنِّيٓ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلّذِينَ تَزْدَرِيَ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنّيَ إِذاً لّمِنَ الظّالِمِينَ } .

وقوله : وَلا أقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللّهِ عطف على قوله : وَيا قَوْمِ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا ومعنى الكلام : ويا قوم لا أسألكم عليه أجرا ، ولا أقول لكم عندي خزائن الله التي لا يفنيها شيء ، فأدعوَكم إلى اتباعي عليها . وَلا أعْلَمُ أيضا الغَيْبَ يعني ما خفي من سرائر العباد ، فإن ذلك لا يعلمه إلا الله ، فأدّعي الربوبية وأدعوكم إلى عبادتي . وَلا أقُولُ أيضا إنّي مَلَكٌ من الملائكة أرسلت إليكم ، فأكون كاذبا في دعواي ذلك ، بل أنا بشر مثلكم كما تقولون ، أُمرت بدعائكم إلى الله ، وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم . وَلا أقُولُ للّذِينَ تَزْدَرِي أعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُم اللّهُ خَيْرا يقول : ولا أقول للذين اتبعوني وآمنوا بالله ووحدوه الذين تستحقرهم أعينكم ، وقلتم إنهم أراذلكم : لن يؤتيكم الله خيرا ، وذلك الإيمان بالله . اللّهُ أعْلَمُ بِمَا فِي أنْفُسِهِمُ يقول : الله أعلم بضمائر صدورهم واعتقاد قلوبهم ، وهو وليّ أمرهم في ذلك ، وإنما لي منهم ما ظهر وبدا ، وقد أظهروا الإيمان بالله واتبعوني ، فلا أطردهم ولا أستحلّ ذلك . إنّي إذا لِمِنَ الظّالِمِينَ يقول : إني إن قلت لهؤلاء الذين أظهروا الإيمان بالله وتصديقي : لن يؤتَيهم الله خيرا ، وقضيت على سرائرهم بخلاف ما أبدته ألسنتهم لي على غير علم مني بما في نفوسهم وطردتهم بفعلي ذلك ، لَمِن الفاعلين ما ليس لهم فعله المعتدين ما أمرهم الله به وذلك هو الظلم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : وَلا أقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللّهِ التي لا يفينها شيء ، فأكون إنما أدعوكم لتتبعوني عليها لأعطيكم منها . وَلا أقُولُ إنّي مَلَكٌ نزلت من السماء برسالة ، ما أنا إلا بشر مثلكم . وَلاَ أَعْلَمُ الَغَيبَ ولا أقول اتبعوني على علم الغيب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٞ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِيٓ أَنفُسِهِمۡ إِنِّيٓ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (31)

{ ولا أقول لكم عندي خزائن الله } رزقه وأمواله حتى جحدتم فضلي . { ولا أعلم الغيب } عطف على { عندي خزائن الله } أي : ولا أقول لكم أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعاداً ، أو حتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب ، وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول . { ولا أقول إني مَلكُ } حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا . { ولا أقول للذين تزدري أعينكم } ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم . { لن يُؤتيهم الله خيرا } فإن ما أعده الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا . { الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين } أن قلت شيئا من ذلك ، والازدراء به افتعال من زرى عليه إذا عابه قلبت تاؤه دالا لتجانس الراء في الجهر وإسناده إلى الأعين للمبالغة ، والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرؤية من غير روية بما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تأمل في معانيهم وكمالاتهم .