تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ} (37)

وهذا يدل على أن هذا دعاء ثان بعد الدعاء الأول الذي دعا به عندما ولى عن هاجر وولدها ، وذلك قبل بناء البيت ، وهذا كان بعد بنائه ، تأكيدًا ورغبة إلى الله ، عز وجل ؛ ولهذا قال : { عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ }

وقوله : { رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ } قال ابن جرير : هو متعلق بقوله : " المحرم " أي : إنما جعلته محرما ليتمكن أهله من إقامة الصلاة عنده .

{ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير : لو قال : " أفئدة الناس " لازدحم عليه فارس والروم واليهود{[15977]} والنصارى والناس كلهم ، ولكن قال : { مِنَ النَّاسِ } فاختص به المسلمون .

وقوله : { وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ } أي : ليكون ذلك عونا لهم على طاعتك وكما أنه { وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } فاجعل لهم ثمارا يأكلونها . وقد استجاب الله ذلك ، كما قال : { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا } [ القصص : 57 ] وهذا من لطفه تعالى وكرمه ورحمته وبركته : أنه ليس في البلد الحرام مكة شجرة مثمرة ، وهي تجبى إليها ثمرات ما حولها ، استجابة لخليله إبراهيم ، عليه الصلاة والسلام .


[15977]:- في ت : "واليهود والروم".