الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ} (37)

قوله : { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد {[37364]} غير ذي / زرع } – إلى قوله – { يوم يقوم الحساب }[ 37-41 ] . معنى الآية : إنه دعاء من إبراهيم صلى الله عليه وسلم {[37365]} بمكة ، وذلك حين أسكن إسماعيل ، وأمه هاجر مكة {[37366]} .

قال ابن عباس : إن أول من سعى بين الصفا والمروة لأم إسماعيل ( وإن ) {[37367]} أول ما {[37368]} أحدث النساء جر الذيول ، لمن {[37369]} أم إسماعيل ، وذلك أنها لما فرت من سارة أرخت من ذيلها لتعفي أثرها ، فجاء بها إبراهيم ، ومعها إسماعيل حتى انتهى بها إلى موضع البيت ، فوضعها ، ثم رجع . فأتبعته ، فقالت : إلى ( أي ) {[37370]} شيء تكلنا ؟ ( إلى أي طعام تكلنا ) {[37371]} ، إلى أي شراب تكلنا ؟ .

فجعل إبراهيم لا يرد عليها عينا ، فقالت : ( آلله ) {[37372]}أمرك بهذا ؟ قال نعم . قالت : إذن {[37373]} لا يضيعنا . فرجعت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء {[37374]} . أقبل على الوادي ، فدعا ، فقال : { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع }[ 37 ] {[37375]} – الآية – قال {[37376]} : وكان مع هاجر شن {[37377]} ، فيه ماء . فنفد الماء فعطشت ، فانقطع اللبن . فعطش الصبي ، فنظرت أي {[37378]} : الجبال أدنى من الأرض ، فصعدت الصفا ، فتسمعت هل تسمع صوتا أو ترى أنيسا {[37379]} . فلم تسمع شيئا ، فانحدرت . فلما أتت إلى الوادي سعت {[37380]} وما تريد السعي ، كالإنسان المجهود الذي يسعى وما يريد السعي . فنظرت أي الجبال أدنى من الأرض ، فصعدت المروة ، فتسمعت هل تسمع صوتا ، أو ترى أنيسا فسمعت {[37381]} صوتا كالإنسان الذي يكذب سمعه حتى استيقنت ، فقالت : قد أسمعتني صوتك ، فأغثني ، فقد هلكت وهلك {[37382]} من معي . فجاء الملك بها ، حتى انتهى ( بها ) {[37383]} إلى زمزم . فضرب بقدمه ففارت {[37384]} ، فجعلت {[37385]} هاجر تفرغ من شنها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أم إسماعيل ! لولا أنها عجلت لكانت {[37386]} زمزم عينا معينا {[37387]} " . وقال الملك لها : لا تخافي الظمأ على أهل هذا البلد ، فإنما {[37388]} ( هي ) {[37389]} عين لشرب ضيفان الله . وقال لها : إن أبا هذا الغلام سيجيء ، فيبنيان {[37390]} لله ( جل وعز ) {[37391]} بيتا ، وذا موضعه ، ثم ذهب ، وبقيت هاجر ، فأتت رفقة من جرهم تريد الشام ، فرأوا الطير على الجبل ، فقالوا : إن هذا الطير لعائف على ماء ، فهل علمتم بهذا {[37392]} الوادي من ماء ؟ فقالوا : لا . ثم أشرفوا فإذا هم بهاجر وابنها ، فأتوها ، فطلبوا {[37393]} أن ينزلوا عندها ، فأذنت لهم ، فسكنوا عندها . ثم أتتها المنية فماتت ، رحمة الله عليها {[37394]} ، فتزوج إسماعيل امرأة من جرهم ، ثم كان من قصة {[37395]} إبراهيم {[37396]} في إتيانه إلى ( بناء ) {[37397]} البيت ما ذكر الله ( عز وجل ) {[37398]} {[37399]} .

وقد تقدم منه ذكر ( كثير ) {[37400]} في البقرة {[37401]} . ومعنى : { بيتك المحرم }[ 37 ] : أي : المحرم من استحلال حرمات الله ( تعالى ) {[37402]} فيه ، والاستخفاف بحقه {[37403]} .

وقوله : { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم }[ 37 ] : أي : اجعل قلوب بعض خلقك تنزع {[37404]} إليهم {[37405]} . فلذلك {[37406]} قلوب الناس إلى الآن تنزع إلى الحج ، ولا تقدر على التخلف .

وقد قال ابن جبير : قول قال : فاجعل أفئدة الناس / تهوي إليهم ، لحجت اليهود والنصارى ، والمجوس ، ولكنه قال : { أفئدة من الناس } فحج المسلمون {[37407]} .

قال مجاهد ( رحمه الله ) {[37408]} : لو قال أفئدة الناس ، لازدحمت عليه فارس ، والروم ، ولكنه قال : من الناس {[37409]} .

والأفئدة جمع فؤاد ، هو القلب ، وسمي القلب فؤادا {[37410]} لتفاؤده {[37411]} :

أي : لتوقده ، والتفاؤد : التوقد ، والمقتاد : موضع وقود النار {[37412]} .

قال عكرمة : وطاووس {[37413]} وعطاء : قلوبهم تهوى إلى البيت حتى يأتونه {[37414]} : ( أي ) {[37415]} يحجون ، وهو قول ابن عباس {[37416]} .

وعن ابن {[37417]} عباس أن معنى : { تهوي إليهم } : أي : تهوى السكنى {[37418]} عندهم .

وهذا المعنى إنما يكون على قراءة من قرأه بفتح الواو ، وهي قراءة مروية عن مجاهد {[37419]} .

ولما دعا إبراهيم {[37420]} بأن يرزقهم من الثمرات نقل الله ( عز وجل ) {[37421]} ، الطائف من فلسطين إلى موضعها {[37422]} الآن ، {[37423]} ففيها من {[37424]} كل الثمرات {[37425]} .

روي {[37426]} أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم {[37427]} لما دعا بهذا {[37428]} بعث الله جل ذكره ، جبريل عليه السلام {[37429]} ، فاقتلع الثمار من الشام من موضع يقال له {[37430]} الأردن ، وهو نهر ، ثم أقبل بالثمار حتى طاف بها حول البيت أسبوعا ، ثم أنزلها جبال تهامة وهي الطائف .

ولذلك {[37431]} سميت الطائف {[37432]} .

{ لعلهم يشكرون } {[37433]}[ 37 ] : أي : يشكرون نعمك {[37434]} .


[37364]:ساقط من ق.
[37365]:ط: صم.
[37366]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 13/229.
[37367]:ساقط من ق.
[37368]:ق: من.
[37369]:ق: للكن. ط: لعن.
[37370]:ساقط من ط.
[37371]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[37372]:ساقط من ق.
[37373]:ط: ادبا ق: ادبر.
[37374]:ق: تنبه كذا، ط: ثنية كذ.
[37375]:ط: عند بيتك المحرم.
[37376]:ساقط من ط.
[37377]:ط: شيء.
[37378]:ط: إلى.
[37379]:ق: ترى أنسيا وتسمع صوتا.
[37380]:ط: سمعت.
[37381]:ق: فسمت.
[37382]:ق: وأهلك.
[37383]:ساقط من ط.
[37384]:ق: فصارت.
[37385]:ق: فعجلت.
[37386]:ساقط من ق.
[37387]:معينا: أي جارية سائحة على وجه الأرض.
[37388]:ق: فإنها.
[37389]:ساقط من النسختين، وأضفته ليستقيم السياق.
[37390]:ط: ويبنيان.
[37391]:ساقط من ق.
[37392]:ق: لهذا.
[37393]:ط: فطلبوها.
[37394]:ط: رحمها الله.
[37395]:ط: قصته.
[37396]:ط: صم.
[37397]:ساقط من ط.
[37398]:ساقط من ق.
[37399]:هذا الأثر أخرجه البخاري مطولا عن ابن عباس في كتاب الأنبياء، باب يزفون النسلان في المشي، انظر: صحيح البخاري بشرحه الفتح 6/456- ورواه الطبري في: جامع البيان 13/229-230.
[37400]:ساقط من ق.
[37401]:انظر: تحقيق سورة الفاتحة والبقرة 2/366-369.
[37402]:ساقط من ق.
[37403]:ط: فيه وهو قول قتادة في: المحرر 10/92، والجامع 9/243.
[37404]:ط: مطموس.
[37405]:انظر هذا القول في: غريب القرآن 233، وجامع البيان 13/233، ومعاني الزجاج 3/165.
[37406]:ق: فذلك.
[37407]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 13/233، وفي تفسير مجاهد 412 أن ابن جبير رواه عن ابن عباس.
[37408]:ساقط من ط.
[37409]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 13/234 والمحرر 10/93، وعزاه أيضا في الجامع 9/245، إلى ابن عباس.
[37410]:في النسختين معا: فؤاد.
[37411]:ط: لتفاده.
[37412]:انظر: السان: فأد.
[37413]:ط: وطاوس. ق: وطووس.
[37414]:ق: يأتونه، أو يحجون.
[37415]:ساقط من ق.
[37416]:انظر: جميع هاته الأقوال في جامع البيان 13/234.
[37417]:ق: السكان.
[37418]:انظر هذا القول في: المصدر السابق.
[37419]:وقرأ بها أيضا علي بن أبي طالب، ومحمد بن علي، انظر: المحرر 10/93، والجامع 9/245.
[37420]:ط: صم.
[37421]:ساقط من ق.
[37422]:ق: موضها.
[37423]:ق: لان.
[37424]:ق: فيها.
[37425]:وهو قول هشام المروي عن محمد بن مسلم الطائفي في: جامع البيان 13/235، ولم ينسبه الزجاج في معانيه: 3/165.
[37426]:ط: وروي.
[37427]:ط: صم.
[37428]:ق: بهاذا.
[37429]:ط: صم.
[37430]:ساقط من ق.
[37431]:ق: فلذلك.
[37432]:انظر: هذا الخبر في: جامع البيان 13/235، والمحرر 10-93-94.
[37433]:ساقط من ق.
[37434]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 13/235.