مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ} (37)

{ رَّبَّنَا إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي } بعض أولادي وهم إسماعيل ومن ولد منه { بِوَادٍ } هو واد مكة { غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } لا يكون فيه شيء من زرع قط { عِندَ بَيْتِكَ المحرم } هو بيت الله سمي به لأن الله تعالى حرم التعرض له والتهاون به وجعل ما حوله حرماً لمكانه ، أو لأنه لم يزل ممنعاً يهابه كل جبار ، أو لأنه محترم عظيم الحرمة لا يحل انتهاكها ، أو لأنه حرم على الطوفان أي منع منه كما سمي عتيقاً لأنه أعتق منه { رَّبَّنَا لِيِقُيمُواْ الصلاة } اللام متعلقة ب { أسكنت } أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ويعمروه بذكرك وعبادتك { فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس } أفئدة من أفئدة الناس و«من » للتبعيض لما روي عن مجاهد : لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند . أو للابتداء كقولك : «القلب مني سقيم » تريد قلبي فكأنه قيل أفئدة ناس ، ونكرت المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة لأنها في الآية نكرة ليتناول بعض الأفئدة { تَهْوِي إِلَيْهِمْ } تسرع إليهم من البلاد الشاسعة وتطير نحوهم شوقاً { وارزقهم مّنَ الثمرات } مع سكناهم وادياً ما فيه شيء منها بأن تجلب إليهم من البلاد الشاسعة { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في واد ليس فيه شجر ولا ماء .