{ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ( 37 ) } .
ثم قال : { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي } قال الفراء : من للتبعيض أي بعض ذريتي ، وقال ابن الأنباري : أنها زائدة أي أسكنت ذريتي والأول أولى لأنه إنما أسكن إسماعيل وهو بعض ولده وأمه هاجر { بِوَادٍ } هو المنخفض بين الجبلين { غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } أي لا زرع فيه قط وهو وادي مكة أو لا يصلح للإنبات لأنه أرض حجرية لا تنبت شيئا نفى أن يكون إسكانهم لأجل الزراعة { عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ } أي الذي كان قبل الطوفان ، وأما وقت دعائه فلم يكن ، وإنما كان تلا من الرمل ، وأما البيت فقد رفع إلى السماء من حين الطوفان ولو جعل التجوز باعتبار ما يؤول لكان صحيحا أيضا يعني أنه سيعمره أو بيتك الذي جرى في سابق علمك أنه سيحدث في هذا المكان .
وسمي محرما لأن الله حرم التعرض له والتهاون به وجعل ما حوله حرما لمكانه أو لأنه حرم على الطوفان أي منع منه كما سمي عتيقا لأنه أعتق منه ، وقيل إنه محرم على الجبابرة ، وقد تقدم في سورة المائدة ما يغني عن الإعادة .
أخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال كانت سارة تحت إبراهيم فمكثت تحته دهرا لا ترزق منه ولدا فلما رأت ذلك وهبت له هاجر ، أمة لها قبطية فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها وعتبت على هاجر فحلفت أن يقطع منها ثلاثة أطراف فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبري يمينك قالت : كيف أصنع قال : اثقبي أذنيها واخفضيها والخفض هو الختان ، ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بها حسنا فقالت سارة : أراني إنما زدتها جمالا فلم تضاره على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجدا شديدا فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها .
ثم قال : { رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ } اللام لام كي أي ما أسكنتهم بهذا الوادي الخالي من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة فيه متوجهين إليه متبركين به ، وخصها دون سائر العبادات لمزيد فضلها ، ولعل تكرير النداء وتوسيطه لإظهار العناية الكاملة بهذه العبادة وللإشعار بأنها المقصودة بالذات من إسكانهم ثم{[1018]} والمقصود من الدعاء توفيقهم لها ، وقيل اللام لام الأمر والمراد الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإقامة وسأل من الله أن يوفقهم لها أثبت أن الإقامة عنده للعبادة وقد نفى كونها للكسب فجاء الحصر .
{ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً } الأفئدة جمع فؤاد وهو القلب عبر به عن جميع البدن لأنه أشرف عضو فيه ، وقيل هو جمع وفد والأصل أوفده فكأنه قال واجعل وفودا { مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } من للتبعيض ، وقيل زائدة ولا يلزم منه أن يحج اليهود والنصارى لدخولهم تحت لفظ الناس ، لأن المطلوب توجيه قلوب الناس إليهم للسكون معهم والجلب إليهم لا توجيهها إلى الحج ، ولو كان هذا مرادا لقال تهوي إليه ، وقيل من للابتداء كقوله القلب مني سقيم تريد قلبي ، ومعنى تهوي إليهم تنزع إليهم ؛ وقيل تسرع وتميل وتحن إليهم لزيارة بيتك لا لذواتهم وأعيانهم .
وفي هذا بيان أن حنين الناس إليهم إنما هو لطلب حج البيت لا لأعيانهم ، يقال هوى نحوه إذا مال وهوت الناقة تهوي هويا فهي هاوية إذا عدت عدوا شديدا كأنها تهوي في بئر ، ويحتمل أن يكون المعنى تجيء إليهم أو تسرع إليهم وقيل تحن وتطير وتشتاق إليهم ، واصله أن يتعدى باللام وإنما تعدى بإلى لأنه ضمن معنى تميل .
قال السدي : أي أمل قلوبهم إلى هذا الموضع ، وقيل تريدهم ، قاله الفراء وقيل تنحط إليهم وتنحدر وتنزل ، وهذا قول أهل اللغة والمعاني متقاربة ، قال ابن عباس : لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والترك والروم والهند ، ولحج اليهود والنصارى والناس كلهم ، ولكنه قال : { أفئدة من الناس } فخص به المؤمنين أخرجه البيهقي بسند وفيه دعاء للمؤمنين بأن يرزقهم حج البيت ودعاء لسكان مكة من ذريته بأنهم ينتفعون بمن يأتي إليهم من الناس لزيارة البيت فقد جمع إبراهيم في هذا الدعاء من أمر الدين والدنيا ما ظهر بيانه وعمت بركته .
{ وَارْزُقْهُم } أي ذريتي الذين أسكنتهم هنالك أو إياهم ومن يساكنهم من الناس { مِّنَ } أنواع { الثَّمَرَاتِ } التي تنبت فيه كما رزقت سكان القرى ذوات الماء والزرع فيكون المراد عمارة قرى بقرب مكة لتحصل تلك الثمار أو المراد جلب الثمرات إلى مكة بطريق النقل والتجارة لقوله تعالى : { تجبى إليه ثمرات كل شيء } وهذا أولى { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } نعمتك التي أنعمت بها عليهم .
قال محمد بن مسلم : إن إبراهيم لما دعا للمحرم نقل الله الطائف من فلسطين ، وعن الزهري : قال : إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم ، وأما إجابة قوله فاجعل أفئدة الخ فقد حصلت بجرهم ، وقد استمر قصد الحجاج والعمار لهذا البيت كل عام إلى آخر الزمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.