النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ} (37)

قوله عز وجل : { رَبّنا إني أسكنت مِنْ ذُرِّيتي بوادٍ غير ذي زَرْعٍ } هذا قول إبراهيم عليه السلام . وقوله : { مِن ذريتي } يريد بهم إسماعيل وهاجر أُمه .

{ بوادٍ غير ذي زرع } يعني مكة أسكنها في بطحائها ، ولم يكن بها ساكن ، ثقة بالله وتوكلاً عليه .

{ عند بيتك المحرم } لأنه قبلة الصلوات فلذلك أسكنهم عنده . وأضاف البيت إليه لأنه لا يملكه غيره ، ووصفه بأنه محرَّم لأنه يحرم فيه ما يستباح في غيره من جماع واستحلال{[1651]} .

{ ربّنا ليقيموا الصلاة } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون سأل الله تعالى بذلك أن يهديهم إلى إقامة الصلاة .

الثاني : أن يكون ذكر سبب تركهم فيه أن يقيموا الصلاة .

{ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } في { أفئدة } وجهان :

أحدهما : أن الأفئدة جمع فؤاد وهي القلوب ، وقد يعبر عن القلب بالفؤاد ، قال الشاعر :

وإنّ فؤاداً قادَني بصبابةٍ *** إليك على طول الهوَى لصَبورُ

الثاني : أن الأفئدة جمع وفد ، فكأنه قال : فاجعل وفوداً من الأمم تهوي إليهم . وفي قوله : { تهوي إليهم } أربعة أوجه :

أحدها : أنه بمعنى تحن إليهم .

الثاني : أنه بمعنى تنزل إليهم ، لأن مكة في واد والقاصد إليها نازل إليها .

الثالث : ترتفع إليهم ، لأن ما في القلوب بخروجه منها كالمرتفع عنها .

الرابع : تهواهم . وقد قرئ تهْوَى .

وفي مسألة إبراهيم عليه السلام أن يجعل اللهُ أفئدةً من الناس تهوي إليهم قولان :

أحدهما : ليهووا السكنى بمكة فيصير بلداً محرّماً ، قاله ابن عباس .

الثاني : لينزعوا إلى مكة فيحجوا ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد .

قال ابن عباس : لولا أنه قال من الناس لحجه اليهود والنصارى وفارس والروم .

{ وارزقهم من الثمرات } فيه وجهان :

أحدهما : يريد ثمرات القلوب بأن تحببهم إلى قلوب الناس فيزوروهم .

الثاني : ومن الظاهر من ثمرات النخل والأشجار ، فأجابه بما في الطائف من الثمار ، وما يجلب إليهم من الأمصار .

{ لَعَلَّهُمْ يشكرون } أي لكي يشكروك .

قوله عز وجل : { ربنا اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين } وفي استغفاره لوالديه مع شركهما ثلاثة أوجه :

أحدهما : كانا حيين فطمع في إيمانهما . فدعا لهما بالاستغفار ، فلما ماتا على الكفر لم يستغفر لهما .

الثاني : أنه أراد آدم وحوّاء .

الثالث : أنه أراد ولديه إسماعيل وإسحاق . وكان إبراهيم يقرأ : { رب اغفر لي ولوالدي } يعني ابنيه ، وكذلك قرأ يحيى بن يعمر{[1652]} .


[1651]:في ك واستبدال والصواب ما أثبتناه.
[1652]:سقط من ك.