ثم أراد أن يعطف الله بدعائه قلوب الناس كلهم أو جلهم على إسماعيل ومن ولد منه بمكة وأن يرزقهم من الثمرات فمهد لذلك مقدمة فقال : { ربنا إني أسكنت من ذريتي } أي بعضهم { بواد غير ذي زرع } أي لم يكن فيه شيء من زرع قط كقوله : { قرآناً عربياً غير ذي عوج } [ الزمر : 28 ] أي لا اعوجاج فيه أصلاً ولم يوجد ذلك فيه في زمن من الأزمان . وقد سبق في سورة البقرة قصة مجيء إبراهيم صلى الله عليه وسلم بإسماعيل وأمه هاجر إلى هنالك . وفي قوله : { عند بيتك الحرام } دليل على أنه دعا هذه الدعوة بعد بناء البيت لا في حين مجيئه بهما . ومعنى كون البيت محرماً أن الله حرم التعرض له والتهاون به وجعل ما حوله حرماً لأجل حرمته ، وأنه لم يزل ممتنعاً عزيزاً يهابه كل جبار كالشيء المحرم الذي حقه أن يجتنب . وقيل : سمي محرماً لأنه حرم على الطوفان أي منع منه كما سمي عتيقاً لأنه أعتق منه فلم يستول عليه ، أو حرم على المكلفين أن يقربوه بالدماء والأقذار ، أو لأنه أمر الصائرون إليه يحرموا على أنفسهم أشياء كانت تحل لهم من قبل { ربنا ليقيموا الصلاة } أي ما أسكنتهم بهذا الوادي القفر إلا لإقامة الصلاة عند البيت وعمارته بالذكر والطواف . { فاجعل أفئدة من الناس } " من " للتبعيض أي أفئدة من أفئدة الناس . قال مجاهد . لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند . وعن سعيد بن جبير : لو قال أفئدة الناس لحجة اليهود والنصارى والمجوس ولكنه أراد أفئدة المسلمين . وجوز في الكشاف أن يكون " من " للابتداء كقولك " القلب مني سقيم " . وعلى هذا فإنما يحصل التبعيض من تنكير أفئدة فكأنه قيل : أفئدة ناس . ومعنى { تهوي } تسرع { إليهم } وتطير نحوهم شوقاً ونزاعاً . وقيل : تنحط وتنحدر . الأصمعي : هوى يهوي هوياً بفتح الهاء إذا سقط من علو إلى سفل وفي هذا الدعاء فائدتان : إحداهما ميل الناس إلى تلك البلدة للنسك والطاعة ، والأخرى نقل الأقمشة إليه للتجارة ، وفي ضمن ذلك تتسع معايشهم وتكثر أرزاقهم ومع ذلك قد صرح بها فقال : { وارزقهم من الثمرات } فلا جرم أجاب الله دعاءه فجعله حراماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء . وقيل : أراد أن يحصل حواليها القرى والمزارع والبساتين . ثم ختم الآية بقوله : { لعلهم يشكرون } ليعلم أن المقصود الأصلي من منافع الدنيا وسعة الرزق هو التفرغ لأداء العبادات وإقامة والوظائف الشرعية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.