غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ} (37)

35

ثم أراد أن يعطف الله بدعائه قلوب الناس كلهم أو جلهم على إسماعيل ومن ولد منه بمكة وأن يرزقهم من الثمرات فمهد لذلك مقدمة فقال : { ربنا إني أسكنت من ذريتي } أي بعضهم { بواد غير ذي زرع } أي لم يكن فيه شيء من زرع قط كقوله : { قرآناً عربياً غير ذي عوج } [ الزمر : 28 ] أي لا اعوجاج فيه أصلاً ولم يوجد ذلك فيه في زمن من الأزمان . وقد سبق في سورة البقرة قصة مجيء إبراهيم صلى الله عليه وسلم بإسماعيل وأمه هاجر إلى هنالك . وفي قوله : { عند بيتك الحرام } دليل على أنه دعا هذه الدعوة بعد بناء البيت لا في حين مجيئه بهما . ومعنى كون البيت محرماً أن الله حرم التعرض له والتهاون به وجعل ما حوله حرماً لأجل حرمته ، وأنه لم يزل ممتنعاً عزيزاً يهابه كل جبار كالشيء المحرم الذي حقه أن يجتنب . وقيل : سمي محرماً لأنه حرم على الطوفان أي منع منه كما سمي عتيقاً لأنه أعتق منه فلم يستول عليه ، أو حرم على المكلفين أن يقربوه بالدماء والأقذار ، أو لأنه أمر الصائرون إليه يحرموا على أنفسهم أشياء كانت تحل لهم من قبل { ربنا ليقيموا الصلاة } أي ما أسكنتهم بهذا الوادي القفر إلا لإقامة الصلاة عند البيت وعمارته بالذكر والطواف . { فاجعل أفئدة من الناس } " من " للتبعيض أي أفئدة من أفئدة الناس . قال مجاهد . لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند . وعن سعيد بن جبير : لو قال أفئدة الناس لحجة اليهود والنصارى والمجوس ولكنه أراد أفئدة المسلمين . وجوز في الكشاف أن يكون " من " للابتداء كقولك " القلب مني سقيم " . وعلى هذا فإنما يحصل التبعيض من تنكير أفئدة فكأنه قيل : أفئدة ناس . ومعنى { تهوي } تسرع { إليهم } وتطير نحوهم شوقاً ونزاعاً . وقيل : تنحط وتنحدر . الأصمعي : هوى يهوي هوياً بفتح الهاء إذا سقط من علو إلى سفل وفي هذا الدعاء فائدتان : إحداهما ميل الناس إلى تلك البلدة للنسك والطاعة ، والأخرى نقل الأقمشة إليه للتجارة ، وفي ضمن ذلك تتسع معايشهم وتكثر أرزاقهم ومع ذلك قد صرح بها فقال : { وارزقهم من الثمرات } فلا جرم أجاب الله دعاءه فجعله حراماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء . وقيل : أراد أن يحصل حواليها القرى والمزارع والبساتين . ثم ختم الآية بقوله : { لعلهم يشكرون } ليعلم أن المقصود الأصلي من منافع الدنيا وسعة الرزق هو التفرغ لأداء العبادات وإقامة والوظائف الشرعية .

/خ52