الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ} (37)

أخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامر بن سعد ، عن أبيه قال : كانت سارة عليها السلام تحت إبراهيم عليه السلام ، فمكثت معه دهراً لا ترزق منه ولداً ، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر ، أمة لها قبطية . فولدت له إسماعيل عليه السلام ، فغارت من ذلك سارة رضي الله عنها فوجدت في نفسها وعتبت على هاجر ، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أشراف ، فقال لها إبراهيم عليه السلام : هل لك أن تبري يمينك ؟ فقالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنيها واخفضيها ، والخفض هو الختان . ففعلت ذلك بها ، فوضعت هاجر رضي الله عنها في أذنيها قرطين ، فازدادت بهما حسناً . فقالت سارة رضي الله عنها : أراني إنما زدتها جمالاً ، فلم تقاره على كونه معها وَوَجَدَ بها إبراهيم عليه السلام وجداً شديداً فنقلها إلى مكة ، فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع } قال : اسكن إسماعيل وأمه مكة .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن إبراهيم عليه السلام قال { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } لو قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، لغلبتكم عليه الترك والروم .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } قال : لو قال أفئدة الناس تهوي إليهم ، لازدحمت عليه فارس والروم .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوساً وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية فقالوا : البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه . وفي لفظ قالوا : هواهم إلى مكة أن يحجوا .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } قال : تنزع إليهم .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن محمد بن مسلم الطائفي ؛ أن إبراهيم عليه السلام لما دعا للحرم وارزق أهله من الثمرات ، نقل الله الطائف من فلسطين .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري رضي الله عنه قال : إن الله تعالى نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف ، لدعوة إبراهيم عليه السلام .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة { بواد غير ذي زرع } قال : مكة . لم يكن بها زرع يومئذ .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم } وأنه بيت طهره الله من السوء وجعله قبلة وجعله حرمه ، اختاره نبي الله إبراهيم عليه السلام لولده .

وقد ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في خطبته : إن هذا البيت أول من وليه ، ناس من ( طسم ) فعصوا فيه واستخفوا بحقه واستحلوا حرمته ، فأهلكهم الله . ثم وليه من جرهم فعصوا فيه واستخفوا بحقه واستحلوا حرمته ، فأهلكهم الله ، ثم وليتموه معاشر قريش . . . فلا تعصوا ولا تستخفوا بحقه ولا تستحلوا حرمته ، وصلاة فيه أفضل من مائة صلاة بغيره ، والمعاصي فيه على قدر ذلك .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } قال : إن إبراهيم سأل الله أن يجعل أناساً من الناس يهوون سكنى مكة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } يقول : خذ بقلوب الناس إليهم ، فإنه حيث يهوي القلب يذهب الجسد ، فلذلك ليس من مؤمن إلا وقلبه معلق بحب الكعبة .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو أن إبراهيم عليه السلام حين دعا قال : اجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، لازدحمت عليه اليهود والنصارى . ولكنه خص حين قال { أفئدة من الناس } فجعل ذلك أفئدة المؤمنين .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب بسند حسن ، عن ابن عباس قال : لو كان إبراهيم عليه السلام قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، لحجه اليهود والنصارى والناس كلهم ، ولكنه قال { أفئدة من الناس } فخص به المؤمنين .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة : « اللهم بارك لهم في صاعهم ومدهم ، واجعل أفئدة الناس تهوي إليهم » .