ولما دعا بدرء المفاسد الناشئة{[45150]} من نوعي الإنسان والشيطان بأمن البلد وإيمانه{[45151]} ذكر السبب الحامل{[45152]} له على تخصيصه بذلك مستجلباً للمصالح ، فقال : { ربنا } أي يا رب وربَّ من قضيت أنه يتبعني بتربيتك لنا أحسن تربية { إني أسكنت } وكأن الله{[45153]} سبحانه كان{[45154]} قد أخبره{[45155]} أنه يكثر نسله حتى يكونوا كالنجوم ، وذلك بعد البشارة بإسحاق عليه السلام فقال : { من ذريتي } وساقه مؤكداً تنبيهاً على أنه - لكونه على وجه لا يسمح به أحد - لا يكاد يصدق ، وللإعلام بأنه راغب فيه { بواد } هو مكة المشرفة لكونها في فضاء منخفض بين جبال تجري به السيول{[45156]} { غير ذي زرع } .
ولما نفى عنه الرفد الدنيوي ، أثبت له الأخروي ، إشارة إلى أن الدارين ضرتان لا تجتمعان{[45157]} ، وكأن هذا الدعاء كان بعد بنائه البيت - كما تقدمت الإشارة إليه أيضاً بتعريف البلد ، فقال : { عند بيتك المحرم } أي الذي حرمت التعرض إليه ومنعته بالهيبة فلم يملكه أحد سواك ، وجُعل له{[45158]} حريم يأمن فيه الوحش والطير ؛ والسكن{[45159]} : اتخاذ مأوى يسكن إليه متى شاء ، والوادي : سفح الجبل العظيم ، ومنه قيل للأنهار{[45160]} : أودية ، لأن حافاتها كالجبال لها ، والزرع : نبات ينفرش{[45161]} من غير ساق ؛ ثم بين غرضه من إسكانهم هناك فقال : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا { ليقيموا الصلاة } ما أسكنتهم في هذا الوادي الموصوف إلا لهذا الغرض المنافي{[45162]} لعبادة غيرك ، ولأن أولى الناس بإقامتها حاضرو البيت المتوجه بها إليه .
ولما كان اشتغالهم بالعبادة وكونهم في ذلك الوادي أمرين بعيدين عن أسباب المعاش ، تسبب عنه قوله : { فاجعل أفئدة } أي قلوباً محترقة بالأشواق { من الناس } أي من{[45163]} أفئدة الذين هم أهل للاضطراب ، {[45164]} بكون احتراقها بالشوق مانعاً{[45165]} من اضطرابها{[45166]} { تهوي } أي تقصدهم{[45167]} فتسرع نحوهم برغبة وشوق إسراع من ينزل من حالق{[45168]} ؛ وزاد المعنى وضوحاً وأكده بحرف الغاية الدال على بعد لأن الشيء كلما بعد مدى{[45169]} مرماه اشتد وقعه{[45170]} فقال{[45171]} : { إليهم{[45172]} } ولما دعا لهم بالدين ، دعا لهم بالرزق المتضمن للدعاء لجيرانهم فقال{[45173]} : { وارزقهم } أي على يد من يهوي إليهم { من الثمرات } أي التي أنبتها في بلادهم ؛ وبين العلة الصالحة بقوله : { لعلهم يشكرون * } أي ليكون حالهم حال من يرجى شكرهم لما يرون من نعمك{[45174]} الخارقة للعوائد في ذلك الموضع البعيد عن الفضل لولا عنايتك فيشتغلوا بعبادتك لإغنائك{[45175]} لهم وإحسانك إليهم ، وقد أجاب الله دعوته ؛ فالآية لتذكير قريش بهذه النعم الجليلة عليهم ببركة أبيهم الأعظم الذي نهى عن عبادة الأوثان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.