الآية 37 : وقوله تعالى : { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع } لا يحتمل أن يكون قال هذا أول ما قدم تلك البقعة ، لأنه قال : { عند بيتك المحرم } ولا بيت هنالك . دل أنه إنما دعا بهذه الدعوات : { ربنا إني أسكنت من ذريتي } وما ذكر { ربنا واجعلنا مسلمين لك } ( البقرة : 128 ) إلى آخر ما ذكر بعدما رفع البيت .
وقوله تعالى : { ربنا إني أسكنت من ذريتي } دل أنه إنما أسكن بعض ذريته ، ولم يسكن ذريته كلها حين{[9680]} قال : { من ذريتي } امتحنه الله بمحن ثلاث ، لم يمتحن بمثلها أحدا من الأنبياء :
أحدها : امتحنه بإسكان ولده { بواد غير ذي زرع } وغير ذي ماء مما لا يحتمل قلب بشر تركه في مثل ذلك المكان{[9681]} .
دل أنه إنما فعل بأمر من الله تعالى .
والثانية : امتحنه بذبح ولده حتى إذا أشرف على الهلاك فداه الله بكبش{[9682]} .
والثالثة{[9683]} : امتحنه بإلقائه في النار ، فألقي حتى إذا أشرف على الهلاك جعلها الله تعالى عليه { بردا وسلاما } ( الأنبياء : 69 ) ففي ذلك كله دلالة رسالته ، وكان له هجرتان :
إحداهما : إلى مكة حيث أسكن فيها ولده . والهجرة الثانية إلى بيت المقدس ، وهي{[9684]} ما ذكر : { ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها } الآية ( الأنبياء : 71 ) .
ثم قوله : { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع } هو دعاء بتعريض لا بتصريح . والدعاء بالتعريض ، والسؤال بالكناية أبلغ من السؤال بالتصريح ، وهو كدعاء آدم وحواء { ربنا ظلمنا أنفسنا } الآية ( الأعراف : 23 ) فهذا أبلغ في السؤال من قوله : { واغفر لنا وارحمنا } ( البقرة : 286 و . . . . . . . ) لأن مثل هذا قد سئل من دونه ، ولا يكون فيه ما ذكر فيه من الخسران .
وقوله تعالى : { من ذريتي } يحتمل أن تكون كلمة { من } صلة ، أي أسكنت ذريتي ، وتحتمل على التبعيض ، أي أسكنت بعض ذريتي على ما ذكر في بعض التأويلات { إسماعيل وإسحاق } ( إبراهيم : 39 ) .
وقوله تعالى : { عند بيتك المحرم } يحتمل قوله : { المحرم } وجهين :
أحدهما : حرمه أن يستحل فيه ما لا يحل ، ولا يصلح . لكنه خص تلك البقعة بالذكر ، وإن كان ذلك ، لا يحل في غيرها من البقاع لفضل الحرمة التي جعلها الله لها كما خص المساجد بأشياء لفضلها على غيرها من الأمكنة والبقاع .
والثاني قوله : { عند بيتك المحرم } أي الممنوع ، يقال : حرم أي منع كقوله : { وحرمنا عليه المراضع } ( القصص : 12 )
ليس ذلك على التحريم ألا تحل له المراضع ، ولكن على المنع ، أي منعنا عنه لنرده إلى أمه .
فعلى ذلك قوله : { عند بيتك المحرم } أي الممنوع عن الخلق حتى لم يقدروا أحد من الفراعنة والملوك الغلبة [ عليه وإدخاله ]{[9685]} في منافع أنفسهم ، بل [ هو ممنوع ]{[9686]} عنهم ما كان .
وفيه أن الوحدانية له ، والألوهية ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ربنا ليقيموا الصلاة } قال بعض أهل التأويل : فيه تقديم [ وتأخير بقوله ] {[9687]} : { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } ( إبراهيم : 35 ) { ربنا ليقيموا الصلاة } .
ثم تحتمل الصلاة المعروفة ، وتحتمل الصلاة الدعاء والأذكار وغيرها من الدعوات ، ويحتمل قوله : { ربنا ليقيموا الصلاة } الصلاة نفسها وغيرها من الطاعات ، وكذلك قوله : { رب اجعلني مقيم الصلاة } ( إبراهيم : 40 ) .
وقوله تعالى : { فاجعل أفئدة من الناس } يحتمل سؤال ربه أن يجعل أفئدة { الناس تهوي إليهم } وجهين :
أحدهما : لما أسكن ذريته في مكان ، لا ما فيه ، ولا نبات ، ولا زرع ، وفي مثل هذا المكان يستوحش المقام فيه ، سأل ربه أن يجعل { أفئدة من الناس تهوي إليهم } ليأتوا / 272 – ب / ذلك المكان ، فتذهب عنهم تلك الوحشة ، فيستأنسوا{[9688]} بهم .
والثاني{[9689]} : سأله أن يجعل الناس تهوي إليهم ليتعيشوا بما ينقل إليهم من الزاد والأطعمة ، إذ أسكنهم في مكان ، لا زرع فيه ، ولا يتعيشون فيه به . وقد جعل الله تعالى بنية هذا البشر ، إذ لا قوام لهم إلا بالأغذية والأطعمة ، فسأل ربه ليتعيشوا بما يحمل إليهم .
وقال أهل التأويل : { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } للحج ، وقالوا : لو قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، ولم يقل : { من } حجه الخلق جميعا الكافر والمؤمن ، لكن لا يحتمل عندنا أن يكون سؤاله للخلق جميعا ، أو أن يكون قوله : { وأذن في الناس بالحج } ( الحج : 27 ) للخلائق جميعا للكافر والمؤمن ، بل يرجع ذلك إلى الخصوص ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } يحتمل { وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } تلك الثمرات ، ويحتمل { لعلهم يشكرون } بما جعل لهم من التعيش بما يحتمل إليهم من الأغذية والأطعمة .
وقوله تعالى : { وارزقهم من الثمرات } ليس على تخصيص الثمرات ، ولكن سأل الثمرات وما به غذاؤهم وقوامهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.