تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

يقول نبيهم لهم : إن علامة بركة ملك طالوت عليكم أن يرد الله عليكم التابوت الذي كان أخذ منكم .

{ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } قيل : معناه فيه وقار ، وجلالة .

قال عبد الرزاق عن مَعْمَر عن قتادة { فِيهِ سَكِينَةٌ } أي : وقار . وقال الربيع : رحمة{[4234]} . وكذا روي عن العوفي عن ابن عباس وقال ابن جريج : سألت عطاء عن قوله : { فِيهِ سَكِينَةٌ [ مِنْ رَبِّكُمْ ]{[4235]} } قال : ما يعرفون من آيات الله فيسكنون{[4236]} إليه .

وقيل : السكينة طست من ذهب كانت تغسل فيه قلوب الأنبياء ، أعطاها الله موسى عليه السلام فوضع فيها الألواح . ورواه السدي عن أبي مالك عن ابن عباس .

وقال سفيان الثوري : عن سلمة بن كُهَيْل عن أبي الأحوص عن علي قال : السكينة لها وجه كوجه الإنسان ثم هي روح هفافة .

وقال ابن جرير : حدثني [ ابن ]{[4237]} المثنى حدثنا أبو داود حدثنا شعبة وحماد بن سلمة ، وأبو الأحوص كلهم عن سِماك عن{[4238]} خالد بن عرعرة عن علي قال : السكينة ريح خجوج ولها رأسان .

وقال مجاهد : لها جناحان وذنب . وقال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه : السكينة رأس هرة ميتة إذا صرخت في التابوت بصراخ هر ، أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا بكار بن عبد الله أنه سمع وهب بن منبه{[4239]} يقول : السكينة روح من الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون .

وقوله : { وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ } قال ابن جرير : أخبرنا ابن المثنى حدثنا أبو الوليد حدثنا حماد عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية : { وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ } قال : عصاه ورضاض الألواح . وكذا قال قتادة والسدي والربيع بن أنس وعكرمة وزاد : والتوراة .

وقال أبو صالح { وَبَقِيَّةٌ } يعني : عصا موسى وعصا هارون ولوحين{[4240]} من التوراة والمن .

وقال عطية بن سعد : عصا موسى وعصا هارون وثياب موسى وثياب هارون ورضاض الألواح .

وقال عبد الرزاق : سألت الثوري عن قوله : { وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ } فقال : منهم من يقول قفيز من مَنٍّ ، ورضاض الألواح . ومنهم من يقول : العصا والنعلان .

وقوله : { تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ } قال ابن جريج : قال ابن عباس : جاءت الملائكة تحمل التابوت{[4241]} بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت ، والناس ينظرون .

وقال السدي : أصبح التابوت في دار طالوت فآمنوا بنبوة شمعون وأطاعوا طالوت .

وقال عبد الرزاق عن الثوري عن بعض أشياخه : جاءت به الملائكة تسوقه على عجلة على بقرة وقيل : على بقرتين .

وذكر غيره أن التابوت كان بأريحا{[4242]} وكان المشركون لما أخذوه وضعوه في بيت آلهتهم تحت صنمهم الكبير ، فأصبح التابوت على رأس الصنم فأنزلوه فوضعوه تحته فأصبح كذلك فسمروه تحته فأصبح الصنم مكسور القوائم ملقى بعيدا ، فعلموا أن هذا أمر من الله لا قبل لهم به فأخرجوا التابوت من بلدهم ، فوضعوه في بعض القرى{[4243]} فأصاب أهلها داء في رقابهم{[4244]} فأمرتهم جارية من سبي بني إسرائيل أن يردوه إلى بني إسرائيل حتى يخلصوا من هذا الداء ، فحملوه على بقرتين فسارتا به لا يقربه أحد إلا مات ، حتى اقتربتا من بلد بني إسرائيل فكسرتا النيرين{[4245]} ورجعتا وجاء بنو إسرائيل فأخذوه فقيل : إنه تسلمه داود عليه السلام وأنه لما قام إليهما{[4246]} حجل من فرحه بذلك . وقيل : شابان منهم فالله أعلم . وقيل : كان التابوت بقرية من قرى فلسطين يقال لها : أزدرد .

وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ } أي : على صدقي فيما جئتكم به من النبوة ، وفيما أمرتكم به من

طاعة طالوت : { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أي : بالله واليوم الآخر .


[4234]:في جـ: "رحمة الله".
[4235]:زيادة من جـ، و.
[4236]:في أ: "تسكنون".
[4237]:زيادة من تفسير الطبري (5/327).
[4238]:في جـ: "عن سماك بن".
[4239]:في أ: "بن منصور".
[4240]:في جـ: "ولوحان".
[4241]:في جـ: "وتحمل التوابيت".
[4242]:في جـ: "كان تاريخا".
[4243]:في و: "بعض القرايا".
[4244]:في جـ: "في قلوبهم".
[4245]:في جـ: "النيرير".
[4246]:في جـ: "قام إليه" وفي و: "قام إليهما".