الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

وأما قولُ النبيِّ لهم : { إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ } ، فإِن الطبريَّ ذهب إِلى أن بني إِسرائيل تعنَّتوا ، وقالوا لنبيِّهم : وما آية مُلْكِ طالُوتَ ؟ وذلك على جهة سؤالِ الدَّلالة على صِدْقه في قوله : { إِنَّ اللَّه بَعَثَ } .

قال : ( ع ) ويحتمل أنَّ نبيَّهم قال لهم ذلك على جهة التغليظِ والتنبيه على هذه النعمة الَّتي قرَنَها بمُلْكِ طَالُوت ، دون تكْذيب منْهم لنبيِّهم ، وهذا عندي أظهر من لفظ الآية ، وتأويلُ الطبريِّ أشبهُ بأخلاقِ بني إِسرائيل الذميمةِ ، فإِنَّهم أهل تكذيبٍ وتعنُّتٍ واعوجاج ، وقد حكى الطبريُّ معناه عن ابْنِ عَبَّاس ، وغيره .

واختلف في كيفيَّة إِتيان التابُوتِ ، فقال وهب : لما صار التابوتُ عند القومِ الذين غَلَبُوا بني إِسْرَائيل ، وضَعُوه في كنيسة لهم فيها أصنامٌ ، فكانت الأصنام تُصْبِحُ منكَّسة ، فجعلوه في قرية قَوْمٍ ، فأصاب أولئك القَوْم أوجاعٌ ، فقالُوا : ما هذا إِلاَّ لهذا التابوتِ ، فلنردَّه إِلى بني إِسرائيل ، فأخذوا عَجَلَةً ، فجعلوا التابُوتَ علَيْها ، وربَطُوها ببقرتَيْن ، فأرسلوهما في الأرضِ نَحْو بلادِ بَني إسرائيل ، فبعث اللَّه ملائكَةً تَسُوقُ البقرتَيْنِ ، حتى دخَلَتَا به على بني إِسرائيل ، وهم في أمر طَالُوتَ ، فأيقنوا بالنَّصْر .

وقال قتادةُ ، والربيعُ : كان هذا التابوتُ مما تركه موسى عنْد يُوشَعَ ، فجعله يُوشَعُ في البريَّة ، ومَرَّتْ علَيْه الدُّهُور ، حتى جاء وقْتُ طَالُوت ، فحملَتْه الملائكةُ في الهَوَاء ، حتى وضعْته بينهم ، فاستوثقت بنو إِسرائيل عند ذلك على طالوت ، وقيل غير هذا ، واللَّه أعلم .

وقوله تعالى : { فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ . . . } [ البقرة :248 ]

قال ابن عَبَّاس : السكينةُ طَسْتٌ من ذهَبٍ من الجَنَّة ، وقال مجاهدٌ : السكينة لها رأس كرأس الهِرَّة ، وجنَاحَان ، وذَنَب .

وقال عطاءٌ : السكينة ما يعرفونَ من الآياتِ ، فيسكنون إِليها ، وقال قتادة : { سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أي : وقار لكم من ربِّكم .

قال : ( ع ) والصحيحُ أن التابوت كانَتْ فيه أشياء فاضلةٌ من بقايا الأنبياء وآثارهم ، تَسْكُن إِلى ذلك النُّفُوس ، وتأنس به ، ثم قَرَّر تعالى ، أن مجيء التابوتِ آية لهم ، إِنْ كانوا ممَّن يؤمن ويُبْصر .

( ت ) وهذا يؤيِّد تأويلَ الطبريِّ المتقدِّم .