قوله : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيئُهُمُ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَّاتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) الآية [ 246 ] .
دلت هذه الآية على أن في الكلام حذفاً( {[8048]} ) واختصاراً كأنهم قالوا : ما آية ملكه وما علامته ؟ فقال : آية( {[8049]} ) ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة . وهذا( {[8050]} ) التابوت كان عندهم من عهد موسى صلى الله عليه وسلم وهارون/ ، فسلبهم( {[8051]} ) إياه ملوك من( {[8052]} ) أهل الكفر ، فجعل الله رده عليهم آية لملك طالوت( {[8053]} ) .
قال ذلك/قتادة والربيع ، قالا : " كان التابوت في البرية ، وكان موسى صلى الله عليه وسلم/ خلفه عند فتاه يوشع( {[8054]} ) بن نون ، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت( {[8055]} ) .
وقال أهل التفسير : كان بنو إسرائيل ينبهون بالتابوت ويستنصرون به على الأعداء ، ويقدمونه أمامهم إذا قاتلوا أهل الكفر . فلما عصوا الله عز وجل وخالفوا أنبياءه ، أظهر الله عليهم أهل الكفر ، فسلبوهم( {[8056]} ) التابوت وجعلوه في مخرأة عناداً وتصغيراً( {[8057]} ) له . فلما تقذر( {[8058]} ) الموضع الذي هو( {[8059]} ) فيه ، ابتلاهم الله بالبواسير ، فضاقوا بها ذرعاً وعلموا( {[8060]} ) السبب الذي من أجله ابتلوا بها ، فأجمع رأيهم على إخراج التابوت ، فأخرجوه وجعلوه( {[8061]} ) على بقرة ذات لبن ، فحملته الملائكة حتى وضعته بين بني إسرائيل ، فرضوا بطالوت ملكاً .
وكان لهم في هذا( {[8062]} ) التابوت آية عظيمة كانوا يهزمون به العدو ويظهرون به على الكفار . فقالوا : إن جاءنا التابوت آمنا وسلمنا( {[8063]} ) ، وكان العدو( {[8064]} ) الذين أخذوه أسفل الجبل –جبل إيلياء عبدة( {[8065]} ) أوثان( {[8066]} )- وكان ملكهم/جالوت ، وكان طالوت قد أعطاه الله شجاعة وقوة وشدة وبطشاً ، وكان الكفار قد جعلوا التابوت في كنيسة لهم فيها أصنام ، فكانت الأصنام تصبح منكسة رؤوسها . وبعث الله عز وجل على أهل تلك القرية فأراً يبيت( {[8067]} ) الرجل( {[8068]} ) الفأرة( {[8069]} ) فيصبح ميتاً قد أكلت ما في جوفه ، فاستشأمموا بالتابوت ، وقالوا( {[8070]} ) : هذا بلاء قد أصابكم مذ( {[8071]} ) كان هذا التابوت بين أظهركم ، قد رأيت( {[8072]} ) أصنامكم تصبح كل غداة منكسة ، ولم تكن تصنع هذا إلا مذ( {[8073]} ) كان التابوت معها فأخرجوه من بين أظهركم . فدعوا بعجلة فحملوا التابوت( {[8074]} ) عليها ثم علقوها بثورين ، ثم( {[8075]} ) ضربوا على جنوبهما . فمرت الملائكة تسوق الثورين حتى وقفوا على بني( {[8076]} ) إسرائيل فكبروا ، وحمدوا الله وجدوا في الحرب( {[8077]} ) " .
وقال ابن عباس : " لم يبق فيه من الألواح( {[8078]} ) إلا سدسها ، وكانت العمالقة أخذت التابوت وهم فرقة من عاد ، فحملت/الملائكة التابوت بين السماء والأرض وهم ينظرون حتى وضعته عند طالوت ، فسلموا له الأمر وملكوه . وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالاً قدموا بين أيديهم التابوت( {[8079]} ) " .
قال ابن عباس : " بلغني( {[8080]} ) أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة( {[8081]} ) " .
قال وهب : " كان نحو ثلاثة أذرع في ذراعين( {[8082]} ) " .
/قوله : ( فِيهِ سَكِينَةٌ ) [ 246 ] .
قيل : هي ريح هفافة( {[8083]} ) لها( {[8084]} ) وجه كوجه الإنسان . قال ذلك علي بن أبي طالب( {[8085]} ) .
وروي عنه أنه قال : " هي ريح خجوج ولها رأسان( {[8086]} ) " ( {[8087]} ) .
وقال مجاهد : " السكينة لها رأس كرأس الهر ، وجناحان وذنباً كذنب( {[8088]} ) الهر( {[8089]} ) " .
وقال السدي : " هي طست من ذهب من الجنة تغسل فيه قلوب الأنبياء ، وفيها رضاض( {[8090]} ) الألواح . وكانت الألواح من درر وياقوت وزبرجد( {[8091]} ) " .
وروي عن وهب بن( {[8092]} ) منبه " أن السكينة روحن الله يتكلم ، إذا اختلفوا في شيء ، بين لهم ما يريدون( {[8093]} ) " .
وقال ابن جريج( {[8094]} ) : " سألت عطاء عن السكينة فقال : هي ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها( {[8095]} ) " .
وقال الربيع : " السكينة الرحمة( {[8096]} ) " .
وقال قتادة : " السكينة الوقار( {[8097]} ) " .
وروى الضحاك عن ابن عباس أن السكينة دابة مثل الهرّ لعينيها( {[8098]} ) إشعاع( {[8099]} ) ، فإذا التقى الجمعان أخرجت يديها( {[8100]} ) ونظرت إليهم ، فينهزم ذلك الجيش من الرعب( {[8101]} ) .
وقال( {[8102]} ) بعض بني إسرائيل من علمائهم( {[8103]} ) : " السكينة رأس هرة ميتة كانت إذا صرخت في التابوت صراخ الهر ، أيقنوا بالنصر( {[8104]} ) " .
واختار الطبري( {[8105]} ) أن تكون السكينة ما يسكنون إليه من الآيات ، وهو قول عطاء ، وكل ما ذكرنا من الأقوال( {[8106]} ) فهي آيات تسكن إليها( {[8107]} ) النفوس ، فهي داخلة تحت هذا القول .
وقوله( {[8108]} ) : ( وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى ) [ 246 ] .
قيل( {[8109]} ) : هي عصا موسى ، ورضاض الألواح لأن موسى صلى الله عليه وسلم حين ألقى الألواح تكسرت ، فوقع منها رضاض ، فجعل في التابوت . قاله عكرمة وقتادة والسدي( {[8110]} ) . وروي عن ابن عباس( {[8111]} ) . وقال مقاتل : " البقية رضاض الألواح ، وصر في طست من ذهب وعمامة موسى وعصاه " .
وعن السدي أنه قال : " هي التوراة ورضاض الألواح والعصا( {[8112]} ) " .
وقال أبو صالح : " هي( {[8113]} ) لوحان من التوراة وثياب موسى وهارون صلى الله عليهما( {[8114]} ) وسلم وعصاهما وكلمة الفرج ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ، وسبحان الله( {[8115]} ) رب السموات والأرض( {[8116]} ) ورب( {[8117]} ) العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين( {[8118]} ) " .
وقيل( {[8119]} ) : هي عصا موسى وعصا هارون ورضاض الألواح . قاله أبو صالح وعطية بن سعد( {[8120]} ) .
وقال الثوري : " هي العصا والنعلان( {[8121]} ) " .
و( {[8122]} )قيل : هي العصا وحدها( {[8123]} ) .
وقال القتبي( {[8124]} ) : " هو( {[8125]} ) من المَنِّ الذي كان ينزل عليهم ورضاض الألواح( {[8126]} ) .
قوله : ( تَحْمِلُهُ المَلاَئِكَةُ ) [ 246 ] .
قيل : حملته إليهم عياناً حتى وضعته بين أظهرهم( {[8127]} ) .
وقيل( {[8128]} ) : حملته حتى وضعته في دار طالوت( {[8129]} ) .
وقيل : حمل إليهم التابوت بأمر الملائكة ، كما تقول : " حَمَلَ السلطان الأمير( {[8130]} ) إلى بلد كذا " ، وإنما/أمر بحمله ولم يحمله هو/بنفسه ، فلما وصل إليهم التابوت أقروا غير راضين ، وخرجوا للقتال ساخطين . قاله ابن زيد( {[8131]} ) .
وقيل : معنى ( تَحْمِلُهُ ) تسوقه على عجلة تجرها بقر( {[8132]} )( {[8133]} ) . وقد ذكرنا ذلك .
ومعنى ( إِن كُنتُم مُّومِنِينَ ) [ 246 ] .
إن كنتم تصدقون إذا جاء التابوت ، ولم يكونوا مؤمنين( {[8134]} ) قبل مجيء التابوت لأنهم كذبوا بنبيهم/فيما قال لهم وسألوه أن يبين صدقه بآية( {[8135]} ) .