الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

قوله : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيئُهُمُ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَّاتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) الآية [ 246 ] .

دلت هذه الآية على أن في الكلام حذفاً( {[8048]} ) واختصاراً كأنهم قالوا : ما آية ملكه وما علامته ؟ فقال : آية( {[8049]} ) ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة . وهذا( {[8050]} ) التابوت كان عندهم من عهد موسى صلى الله عليه وسلم وهارون/ ، فسلبهم( {[8051]} ) إياه ملوك من( {[8052]} ) أهل الكفر ، فجعل الله رده عليهم آية لملك طالوت( {[8053]} ) .

قال ذلك/قتادة والربيع ، قالا : " كان التابوت في البرية ، وكان موسى صلى الله عليه وسلم/ خلفه عند فتاه يوشع( {[8054]} ) بن نون ، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت( {[8055]} ) .

وقال أهل التفسير : كان بنو إسرائيل ينبهون بالتابوت ويستنصرون به على الأعداء ، ويقدمونه أمامهم إذا قاتلوا أهل الكفر . فلما عصوا الله عز وجل وخالفوا أنبياءه ، أظهر الله عليهم أهل الكفر ، فسلبوهم( {[8056]} ) التابوت وجعلوه في مخرأة عناداً وتصغيراً( {[8057]} ) له . فلما تقذر( {[8058]} ) الموضع الذي هو( {[8059]} ) فيه ، ابتلاهم الله بالبواسير ، فضاقوا بها ذرعاً وعلموا( {[8060]} ) السبب الذي من أجله ابتلوا بها ، فأجمع رأيهم على إخراج التابوت ، فأخرجوه وجعلوه( {[8061]} ) على بقرة ذات لبن ، فحملته الملائكة حتى وضعته بين بني إسرائيل ، فرضوا بطالوت ملكاً .

وكان لهم في هذا( {[8062]} ) التابوت آية عظيمة كانوا يهزمون به العدو ويظهرون به على الكفار . فقالوا : إن جاءنا التابوت آمنا وسلمنا( {[8063]} ) ، وكان العدو( {[8064]} ) الذين أخذوه أسفل الجبل –جبل إيلياء عبدة( {[8065]} ) أوثان( {[8066]} )- وكان ملكهم/جالوت ، وكان طالوت قد أعطاه الله شجاعة وقوة وشدة وبطشاً ، وكان الكفار قد جعلوا التابوت في كنيسة لهم فيها أصنام ، فكانت الأصنام تصبح منكسة رؤوسها . وبعث الله عز وجل على أهل تلك القرية فأراً يبيت( {[8067]} ) الرجل( {[8068]} ) الفأرة( {[8069]} ) فيصبح ميتاً قد أكلت ما في جوفه ، فاستشأمموا بالتابوت ، وقالوا( {[8070]} ) : هذا بلاء قد أصابكم مذ( {[8071]} ) كان هذا التابوت بين أظهركم ، قد رأيت( {[8072]} ) أصنامكم تصبح كل غداة منكسة ، ولم تكن تصنع هذا إلا مذ( {[8073]} ) كان التابوت معها فأخرجوه من بين أظهركم . فدعوا بعجلة فحملوا التابوت( {[8074]} ) عليها ثم علقوها بثورين ، ثم( {[8075]} ) ضربوا على جنوبهما . فمرت الملائكة تسوق الثورين حتى وقفوا على بني( {[8076]} ) إسرائيل فكبروا ، وحمدوا الله وجدوا في الحرب( {[8077]} ) " .

وقال ابن عباس : " لم يبق فيه من الألواح( {[8078]} ) إلا سدسها ، وكانت العمالقة أخذت التابوت وهم فرقة من عاد ، فحملت/الملائكة التابوت بين السماء والأرض وهم ينظرون حتى وضعته عند طالوت ، فسلموا له الأمر وملكوه . وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالاً قدموا بين أيديهم التابوت( {[8079]} ) " .

قال ابن عباس : " بلغني( {[8080]} ) أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة( {[8081]} ) " .

قال وهب : " كان نحو ثلاثة أذرع في ذراعين( {[8082]} ) " .

/قوله : ( فِيهِ سَكِينَةٌ ) [ 246 ] .

قيل : هي ريح هفافة( {[8083]} ) لها( {[8084]} ) وجه كوجه الإنسان . قال ذلك علي بن أبي طالب( {[8085]} ) .

وروي عنه أنه قال : " هي ريح خجوج ولها رأسان( {[8086]} ) " ( {[8087]} ) .

وقال مجاهد : " السكينة لها رأس كرأس الهر ، وجناحان وذنباً كذنب( {[8088]} ) الهر( {[8089]} ) " .

وقال السدي : " هي طست من ذهب من الجنة تغسل فيه قلوب الأنبياء ، وفيها رضاض( {[8090]} ) الألواح . وكانت الألواح من درر وياقوت وزبرجد( {[8091]} ) " .

وروي عن وهب بن( {[8092]} ) منبه " أن السكينة روحن الله يتكلم ، إذا اختلفوا في شيء ، بين لهم ما يريدون( {[8093]} ) " .

وقال ابن جريج( {[8094]} ) : " سألت عطاء عن السكينة فقال : هي ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها( {[8095]} ) " .

وقال الربيع : " السكينة الرحمة( {[8096]} ) " .

وقال قتادة : " السكينة الوقار( {[8097]} ) " .

وروى الضحاك عن ابن عباس أن السكينة دابة مثل الهرّ لعينيها( {[8098]} ) إشعاع( {[8099]} ) ، فإذا التقى الجمعان أخرجت يديها( {[8100]} ) ونظرت إليهم ، فينهزم ذلك الجيش من الرعب( {[8101]} ) .

وقال( {[8102]} ) بعض بني إسرائيل من علمائهم( {[8103]} ) : " السكينة رأس هرة ميتة كانت إذا صرخت في التابوت صراخ الهر ، أيقنوا بالنصر( {[8104]} ) " .

واختار الطبري( {[8105]} ) أن تكون السكينة ما يسكنون إليه من الآيات ، وهو قول عطاء ، وكل ما ذكرنا من الأقوال( {[8106]} ) فهي آيات تسكن إليها( {[8107]} ) النفوس ، فهي داخلة تحت هذا القول .

وقوله( {[8108]} ) : ( وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى ) [ 246 ] .

قيل( {[8109]} ) : هي عصا موسى ، ورضاض الألواح لأن موسى صلى الله عليه وسلم حين ألقى الألواح تكسرت ، فوقع منها رضاض ، فجعل في التابوت . قاله عكرمة وقتادة والسدي( {[8110]} ) . وروي عن ابن عباس( {[8111]} ) . وقال مقاتل : " البقية رضاض الألواح ، وصر في طست من ذهب وعمامة موسى وعصاه " .

وعن السدي أنه قال : " هي التوراة ورضاض الألواح والعصا( {[8112]} ) " .

وقال أبو صالح : " هي( {[8113]} ) لوحان من التوراة وثياب موسى وهارون صلى الله عليهما( {[8114]} ) وسلم وعصاهما وكلمة الفرج ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ، وسبحان الله( {[8115]} ) رب السموات والأرض( {[8116]} ) ورب( {[8117]} ) العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين( {[8118]} ) " .

وقيل( {[8119]} ) : هي عصا موسى وعصا هارون ورضاض الألواح . قاله أبو صالح وعطية بن سعد( {[8120]} ) .

وقال الثوري : " هي العصا والنعلان( {[8121]} ) " .

و( {[8122]} )قيل : هي العصا وحدها( {[8123]} ) .

وقال القتبي( {[8124]} ) : " هو( {[8125]} ) من المَنِّ الذي كان ينزل عليهم ورضاض الألواح( {[8126]} ) .

قوله : ( تَحْمِلُهُ المَلاَئِكَةُ ) [ 246 ] .

قيل : حملته إليهم عياناً حتى وضعته بين أظهرهم( {[8127]} ) .

وقيل( {[8128]} ) : حملته حتى وضعته في دار طالوت( {[8129]} ) .

وقيل : حمل إليهم التابوت بأمر الملائكة ، كما تقول : " حَمَلَ السلطان الأمير( {[8130]} ) إلى بلد كذا " ، وإنما/أمر بحمله ولم يحمله هو/بنفسه ، فلما وصل إليهم التابوت أقروا غير راضين ، وخرجوا للقتال ساخطين . قاله ابن زيد( {[8131]} ) .

وقيل : معنى ( تَحْمِلُهُ ) تسوقه على عجلة تجرها بقر( {[8132]} )( {[8133]} ) . وقد ذكرنا ذلك .

ومعنى ( إِن كُنتُم مُّومِنِينَ ) [ 246 ] .

إن كنتم تصدقون إذا جاء التابوت ، ولم يكونوا مؤمنين( {[8134]} ) قبل مجيء التابوت لأنهم كذبوا بنبيهم/فيما قال لهم وسألوه أن يبين صدقه بآية( {[8135]} ) .


[8048]:- في ع2: حذف. وهو خطأ.
[8049]:- في ع2، ع3: علامة.
[8050]:- في ع3: هذه. وهو تحريف.
[8051]:- في ق: فسلبتهم.
[8052]:- سقط من ع3.
[8053]:- انظر: هذا التفسير في جامع البيان 5/317-318، وتفسير القرطبي 3/247.
[8054]:- في ع2: يوسع.
[8055]:- انظر: جامع البيان 5/324، والمحرر الوجيز 2/257-258.
[8056]:- في ع2، ع3: فسلبوه.
[8057]:- في ع2، ع3: فجعلوه في مخرأوة عناداً وصغاراً.
[8058]:- في ع2: تقدر. وفي ع3: تعذر.
[8059]:- سقط من ع2، ع3.
[8060]:- في ع3: عملوا.
[8061]:- في ع2، ع3: جعلوا.
[8062]:- في ع3: هذه.
[8063]:- في ع3: أسلمنا.
[8064]:- في ع2: العد. وفي ع3: العذر. وكلاهما تحريف.
[8065]:- في ع2: عبد.
[8066]:- في ع2، ع3: الأرثان.
[8067]:- في ع2، ع3: نبيت.
[8068]:- في ع3: الرجال.
[8069]:- عند الطبري: تثبت الفأرة الرجل فيصبح ميتاً 2/824، ط. دار الفكر.
[8070]:- في ع2: قال. وهو تحريف.
[8071]:- في ع2: مد. وهو تصحيف.
[8072]:- في ع2: رأيت. وهو تحريف.
[8073]:- في ع2: مد. وهو تصحيف.
[8074]:- قوله: "معها فأخرجوه...التابوت" ساقط من ع3.
[8075]:- سقط من ع3.
[8076]:- في ق: بنو. وهو خطأ.
[8077]:- انظر: جامع البيان 5/320-321، وتفسير القرطبي 3/243، وتفسير ابن كثير 1/302.
[8078]:- في ق: الأرواح. وهو تحريف.
[8079]:- انظر: جامع البيان 5/322.
[8080]:- في ع2، ق: وبلغني.
[8081]:- انظر: جامع البيان 5/322.
[8082]:- انظر: المحرر الوجيز 2/258، وتفسير القرطبي 3/248.
[8083]:- بمعنى السريعة المرور، يقال: "هَفَّتِ الرِّيحُ" إذا هبت، فيسمع صوت هبوبها. انظر اللسان 3/313.
[8084]:- في ع3: هما. وهو تحريف.
[8085]:- انظر: جامع البيان 5/326-327، والمحرر الوجيز 2/258، وتفسير القرطبي 3/249، وتفسير ابن كثير 1/301.
[8086]:- في ع3: تخرج وهو تحريف. يقال: خَجَّتِ الرِّيحُ. الْتَوَتْ في هُبُوبِهَا، فهي خَاجَّةٌ وَخَجُوجٌ. انظر: اللسان 1/793.
[8087]:- انظر: جامع البيان 5/326-327، والمحرر الوجيز 2/258، وتفسير القرطبي 3/249، وتفسير ابن كثير1/301.
[8088]:- في ع2، في ع2: لذنب وهو تحريف.
[8089]:- انظر: جامع البيان 5/326-327، والمحرر الوجيز 2/258، وتفسير القرطبي 3/249، وتفسير ابن كثير 1/301.
[8090]:- ورُضاض الشيء ما تكسر منه. انظر اللسان 1/1175.
[8091]:- انظر: جامع البيان 5/328، وتفسير القرطبي 3/249، وتفسير ابن كثير 1/301.
[8092]:- في ق، ع3: ابن. وهو خطأ.
[8093]:- انظر: جامع البيان 5/329، والمحرر الوجيز 2/259، وتفسير ابن كثير 1/301.
[8094]:- في ع2: جريح. وهو تصحيف.
[8095]:- انظر: جامع البيان 5/329، والمحرر الوجيز 2/259، وتفسير ابن كثير 1/301.
[8096]:- انظر: المصدر السابق.
[8097]:- انظر: المحرر الوجيز 2/259، والدر المنثور 1/750. وهو اختيار الأخفش في معانيه 1/180.
[8098]:- في ع2، ع3: لعينهما. وفي ق: يعقبها.
[8099]:- في ع1: شاع.
[8100]:- في ع2، ع3: يدها.
[8101]:- انظر: الدر المنثور 1/757.
[8102]:- سقط حرف الواو من ع2، ع3.
[8103]:- [التابوت والسكينة آية دالة على صدق طالوت في كونه ملكاً اصطفاه الله تعالى، قال شيخنا أبو شهبة رحمه الله تعالى في كتابه الإسرائيليات والموضوعات ص 174: وما وراء ذلك من الأخبار التي سمعتها لم يقم عليها دليل](المدقق).
[8104]:- انظر: جامع البيان 5/328، والمحرر الوجيز 2/259.
[8105]:- انظر: جامع البيان 5/229-230، وهو أيضاً اختيار ابن قتيبة في تفسير الغريب 92.
[8106]:- قوله: "من الأقوال" ساقط من ع3.
[8107]:- في ع2، ق، ع3: إليه.
[8108]:- سقط حرف الواو من ع2، ع3.
[8109]:- في ع2: وقيل.
[8110]:- انظر: جامع البيان 5/331-332.
[8111]:- انظر: جامع البيان 5/331، والمحرر الوجيز 2/260، وتفسير ابن كثير 1/301.
[8112]:- انظر: جامع البيان 5/331-332.
[8113]:- سقط من ع3.
[8114]:- في ع1، ع2، ع3: عليه.
[8115]:- سقط من ع3.
[8116]:- في ق: السبع.
[8117]:- سقط حرف الواو من ع2.
[8118]:- انظر: المحرر الوجيز 2/260، وتفسير ابن كثير 1/301، والدر المنثور 1/758.
[8119]:- انظر: جامع البيان 5/332-333، والمحرر الوجيز 2/260، وتفسير القرطبي 3/250.
[8120]:- هو ابن سعد بن جنادة العوفي، أبو الحسن الكوفي، روى عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري، ضعفه الثوري. وقال أبو حاتم: "ومع ضعفه يكتب حديثه". (ت111هـ). وقال ابن خياط: ت127هـ. انظر: طبقات ابن خياط 160، وتقريب التهذيب 2/24. والخلاصة 2/239.
[8121]:- انظر: جامع البيان 5/332-333، والمحرر الوجيز 2/260، وتفسير القرطبي 3/250.
[8122]:- سقط حرف الواو من ح، ق، ع3.
[8123]:- انظر: جامع البيان 5/333.
[8124]:- في ح: القتيبي.
[8125]:- في ع2، ع3: هي.
[8126]:- انظر: تفسير الغريب 92.
[8127]:- انظر: جامع البيان 5/333، والمحرر الوجيز 2/260، وتفسير ابن كثير 1/301.
[8128]:- في ع2: قال.
[8129]:- انظر: جامع البيان 5/335. وهو قول قتادة في الدر المنثور 1/258.
[8130]:- سقط من ع2، ع3.
[8131]:- انظر: جامع البيان 5/335.
[8132]:- انظر: جامع البيان 5/336، والمحرر الوجيز 2/260-261.
[8133]:- سقط حرف الواو من ع3.
[8134]:- سقط قوله: "إن كنتم مؤمنين" من ع3.
[8135]:- في ع2: بآيات.