نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

ولما كان أغلبهم{[11727]} واقفاً مع المشاهدات غير ثابت القدم في الإيمان بالغيب قال : { وقال لهم نبيهم } مثبتاً لأمر طالوت { إن آية } أي علامة { ملكه } قال الحرالي{[11728]} : وقل ما احتاج أحد{[11729]} في إيمانه إلى آية خارقة إلا كان إيمانه إن آمن غلبة يخرج عنه بأيسر فتنة ، ومن كان إيمانه باستبصار ثبت عليه ولم يحتج إلى آية ، فإن كانت الآية كانت{[11730]} له نعمة ولم تكن عليه فتنة

{ وما منعنا أن نرسل بالآيات إلاّ أن كذب بها الأولون - وما نرسل بالآيات إلاّ تخويفاً{[11731]} }[ الإسراء : 59 ] {[11732]}فإن الآيات{[11733]} طليعة المؤاخذة والاقتناع{[11734]} بالاعتبار طليعة القبول والثبات - انتهى . { أن يأتيكم } أي من غير آت به ترونه { التابوت } قال الحرالي : و{[11735]} {[11736]}يعز قدره{[11737]} - انتهى . وهو والله سبحانه وتعالى أعلم الصندوق الذي وضع فيه اللوحان اللذان كتب فيهما العشر الآيات التي نسبتها من التوراة نسبة فاتحة الكتاب من القرآن وهو يسمى تابوت الشهادة كما تقدم ذكره في وصف قبة الزمان فيما مضى أول قصة بني إسرائيل وكانوا{[11738]} إذا حاربوا {[11739]}حمله جماعة{[11740]} منهم موظفون لحمله{[11741]} ويتقدمون به أمام الجيش فيكون ذلك سبب نصرهم وكان{[11742]} العمالقة أصحاب جالوت لما ظهروا عليهم أخذوه{[11743]} في جملة ما أخذوا من نفائسهم وكأن عهدهم به كأن{[11744]} قد طال فذكّرهم{[11745]} بماثره ترغيباً{[11746]} فيه وحملاً على الانقياد لطالوت فقال : { فيه سكينة } أي شيء يوجب السكون{[11747]} والثبات في مواطن الخوف . وقال الحرالي : معناه ثبات في القلوب يكون له في عالم الملكوت {[11748]}صورة بحسب{[11749]} حال المثبت ، ويقال : كانت سكينة بني إسرائيل صورة {[11750]}هرّ من{[11751]} ياقوت ولؤلؤ وزبرجد ملفق منه أعضاء تلك الصورة تخرج منه ريح هفّافة{[11752]} تكون علم النصر لهم - انتهى{[11753]} . وزاده مدحاً بقوله : { من ربّكم } أي الذي طال إحسانه إليكم وتربيته{[11754]} باللطف لكم . {[11755]}وقال الحرالي{[11756]} وغيره : إنه كان في التابوت صورة يأتي منها عند النصر ريح تسمع . قال الحرالي : كما كانت الصبا تهب لهذه الأمة بالنصر ، قال صلى الله عليه وسلم : " نصرت بالصبا " فكانت سكينتها كلية آفاقها{[11757]} وتابوتها كلية سمائها حتى لا تحتاج إلى محمل يحملها ولا عدة تعدها{[11758]} لأنها أمة أمية تولى{[11759]} الله لها{[11760]} إقامة علمها وأعمالها - انتهى .

ولما كان الكليم وأخوه عليهما الصلاة والسلام أعظم أنبيائه{[11761]} قال : { وبقية } قال الحرالي : فضلة{[11762]} جملة ذهب جلها{[11763]} { مما ترك } من الترك وهو أن لا يعرض للأمر حساً أو معنى { آل موسى وآل هارون } أي وهي لوحا العهد . قال الحرالي{[11764]} : وفي إشعار تثنية{[11765]} ذكر الآل ما يعلم باختصاص موسى عليه الصلاة والسلام بوصف دون هارون عليه السلام{[11766]} بما كان فيه{[11767]} {[11768]}من الشدة في أمر الله وباختصاص هارون عليه الصلاة والسلام بما كان فيه{[11769]} من اللين والاحتمال حيث{[11770]} لم يكن آل موسى وهارون ، لأن الآل{[11771]} حقيقة{[11772]} من يبدو فيه وصف من هو آله .

وقال : الآل{[11773]} أصل معناه السراب{[11774]} الذي تبدو{[11775]} فيه الأشياء البعيدة كأنه مرآة تجلو{[11776]} الأشياء فآل{[11777]} الرجل من{[11778]} إذا حضروا فكأنه لم يغب - انتهى . ثم صرح بما أفهمه إسناد الإتيان إليه فقال : { تحمله{[11779]} } من الحمل وهو ما استقل به الناقل { الملائكة } وما هذا بأغرب من قصة سفينة رضي الله تعالى عنه قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه رضي الله تعالى عنهم فثقل عليهم متاعهم{[11780]} فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابسط كساءك ، فبسطته فجعلوا فيه متاعهم فحملوه علي{[11781]} فقال{[11782]} رسول الله صلى الله عليه وسلم : احمل فإنما أنت سفينة{[11783]} ! قال : فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة {[11784]}أو سبعة{[11785]} ما ثقل عليّ " وأما مقاتلة الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم في غزوة بدر فأمر شهير ، كان الصحابي يكون قاصداً الكافر ليقاتله{[11786]} فإذا رأسه قد سقط من قبل أن يصل إليه ، ولما كان هذا أمراً باهراً قال منبهاً على عظمته : { إن في ذلك } أي الأمر العظيم الشأن { لآية } أي باهرة { لكم إن كنتم مؤمنين * } فإن المواعظ لا تنفع غيرهم . قال الحرالي : ولما ضعف قبولهم عن النظر والاستبصار صار حالهم{[11787]} في صورة الضعف الذي يقال فيه : إن كان كذا ، فكان{[11788]} في إشعاره خللهم وفتنتهم إلا قليلاً - انتهى . وفي هذه القصة توطئة لغزوة بدر وتدريب لمن كتب عليهم القتال وهو كره لهم وتأديب لهم وتهذيب وإشارة عظيمة واضحة إلى خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه بما دل عليه من أمر استخلافه في الإمامة في الصلاة التي هي خلاصة هذا الدين كما أن ما{[11789]} في تابوت الشهادة كان خلاصة ذلك الدين ، وتحذير لمن لعله يخالف فيها أو يقول إنه ليس من بني هاشم ولا عبد مناف الذين هم بيت{[11790]} الإمامة والرئاسة ونحو ذلك مما حمى {[11791]}الله المؤمنين منه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يأبى الله ذلك والمؤمنون " وفي توجيه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إعلام بأن أول مقصود به الأقرب منه صلى الله عليه وسلم فالأقرب{[11792]} ، وفيها تشجيع{[11793]} للصحابة رضوان الله تعالى عليهم فيما يندبهم{[11794]} إليه الصديق رضي الله عنه من قتال أهل الردة وما بعده إلى غير ذلك من الإشارات التي تقصر عنها العبارات - والله سبحانه وتعالى الموفق .


[11727]:في م: عليهم.
[11728]:قال الأندلسي: في البحر المحيط 2 / 260: وقال الطبري: وحكى معناه عن ابن عباس والسدي وابن زيد تعنت بنو إسرائيل وقالوا لنبيهم: وما آية ملك طالوت؟ وذلك على وجه سؤال الدلالة على صدق نبيهم في قوله "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا" وهذا القول أشبه من الأول بأخلاق بني إسرائيل وتكذيبهم وتعنتهم لأنبيائهم وقيل: خيرهم النبي في آية فاختاروا التابوت ولا يكون إتيان التابوت آية إلا إذا كان يقع على وجه يكون خارقا للعادة فيكون ذلك آية على صدق الدعوى فيحتمل أن يكون مجيئه هو المعجزة ويحتمل أن يكون ما فيه المعجز وهو سبب لاستقرار قلوبهم واطمئنان نفوسهم.
[11729]:من م ومد وظ، وفي الأصل: أحدا.
[11730]:زيد من م ومد وظ.
[11731]:سورة 17 آية 59.
[11732]:ليس في ظ، وفي م ومد: فإذا – مكان: فإن.
[11733]:ليس في ظ: وفي م ومد: فإذا – مكان : فان.
[11734]:في ظ: الاقتاع – كذا.
[11735]:زيد من ظ.
[11736]:في الأصل: وعاما بهذ قدره، وفي م: يعز قدرته والتصحيح من مد وظ
[11737]:في الأصل: وعاما بهذ قدره وفي م: يعز قدرته، والتصحيح من مد وظ.
[11738]:وقال الزمخشري: التابوت صندوق التوراة كان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون والسكينة السكون والطمأنينة وذكر عن على أن السكينة لها وجه كوجه الإنسان وهي ريح هفافة – البحر المحيط 2 / 262.
[11739]:في الأصل: جمله لجماعة، وفي مد: احمله جماعة؛ والتصحيح من م وظ.
[11740]:في الأصل: جمله لجماعة، وفي مد: احمله جماعة؛ والتصحيح من م وظ.
[11741]:في الأصل: مجملة، والتصحيح من م ومد وظ.
[11742]:زيد من م وظ ومد.
[11743]:من م وظ، وفي الأصل: أخذوا، ولا يتضح في مد.
[11744]:ليس في م.
[11745]:في م: فذكره.
[11746]:من م ومد وظ، وفي الأصل: ترغيبا.
[11747]:من م ومد وظ، وفي الأصل: السكوت.
[11748]:في الأصل: ضررة بحبب والتصحيح من م ومد وظ.
[11749]:في الأصل: ضررة بحبب والتصحيح من م ومد وظ.
[11750]:في الأصل: هو من، وفي م: هرمي، والتصحيح من ظ ومد.
[11751]:في الأصل: هو من، وفي م: هرمي، والتصحيح من ظ ومد.
[11752]:في م: صفاته.
[11753]:وفي البحر المحيط 2 / 262: وقيل: السكينة صورة من زبرجد أو ياقوت لها رأس كرأس الهر وذنب كذنبه وجناحان، فتئن فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر، وقيل: السكينة بشارات من كتب الله المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء فإن الله ينصر طالوت وجنوده ويقال: جعل تعالى سكينة بني إسرائيل في التابوت الذي فيه رضاض الألواح والعصا وآثار أصحاب نبوتهم، وجعل تعالى سكينة هذه الأمة في قلوبهم وفرق بين مقر تداولته الأيدي قد فر مرة وغلب عليه مرة وبين مقر بين إصبعين من أصابع الرحمان.
[11754]:من م ومد وظ: وفي الأصل: تربيته
[11755]:. ليس في ظ.
[11756]:ليس في ظ.
[11757]:من م وظ، وفي الأصل: أفافنها وفي مد: أفانها – كذا
[11758]:. في ظ: يعدها.
[11759]:من م ومد وظ، وفي الأصل: تولو
[11760]:. ليس في م.
[11761]:في م وظ ومد: أنبيائهم
[11762]:. من ظ ومد وفي الأصل: فضله وفي م: فصلة
[11763]:. من م ومد وظ، وفي الأصل: حلها. وفي البحر المحيط 2 / 262 بعد نقل أقوال كثيرة: وقيل لوحان من التوراة وثياب موسى وهارون وعصواهما وكلمة الله لا إلاه إلا الله الحكيم الكريم وسبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين.
[11764]:وقال الأندلسي في البحر المحيط 2/262: هم من الأنبياء إليهما من قرابة أو شريعة والذي يظهر أن آل هارون هم الأنبياء الذين كانوا بعدهما فإنهم كانوا يتوارثون ذلك إلى أن فقد....وقال الزمخشري: ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون، والآل مقحم لتفخيم شأنهما – انتهى....ودعوى الإقحام والزيادة في الأسماء لا يذهب إليه نحوى محقق، وقول الزمخشري: والآل مقحم لتفخيم شأنهما، إن عنى بالإقحام ما يدل عليه أول كلامه في قوله: ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون، فلا أدري كيف يفيد زيادة آل تفخيم شأن موسى وهارون، وإن عنى بالآل الشخص فإنه يطلق على شخص الرجل آله فكأنه قيل مما ترك موسى وهارون أنفسهما فنسب تلك الأشياء العظيمة التي تضمنها التابوت إلى أنها من بقايا موسى وهارون شخصيهما أنفسهما لا من بقايا غيرهما مفجرى آل هنا مجرى التوكيد الذي يراد به أن المتروك من ذلك الخير هو منسوب لذات موسى وهارون فيكون في التنصيص عليهما بذاتهما تفخيم لشأنهما وكان ذلك مقحما لأنه لو قيل: مما ترك موسى وهارون، لاكتفى وكان ظاهر ذلك أنهما أنفسهما تركا ذلك وورث عنهما – انتهى كلامه.
[11765]:من م وظ، وفي الأصل: تثنيته ولا يتضح في مد.
[11766]:زيد من م ومد.
[11767]:في مد: عليه.
[11768]:ليست في ظ.
[11769]:ليست في ظ.
[11770]:سقط من م.
[11771]:في م: الأول.
[11772]:في م: حقيقته وفي ظ: خفيته.
[11773]:من م ومد وظ وفي الأصل: الاال.
[11774]:في م: الشراب – كذا بالشين المعجمة..
[11775]:في ظ: يبدوا.
[11776]:من ظ، وفي الأصل وم: يجلوا وفي مد: يجلو – كذا.
[11777]:من مد وظ، وفي الأصل: قال: وفي م: قآل..
[11778]:سقط من م.
[11779]:وهذه الجملة حال من التابوت أي حاملا له الملائكة ويحتمل الاستئناف كأنه قيل: ومن يأتي به وقد فقد فقال "تحمله الملائكة" استعظاما لشأن هذه الآية العظيمة وهو أن الذي يباشر إتيانه إليكم الملائكة الذين يكونون معدين للأمور العظام ولهم القوة والتمكين والاطلاع بإقدار الله لهم على ذلك، ألا ترى إلى تلقيهم الكتب الإللهية وتنزيلهم بها على من أوحى إليهم، وقلبهم مدائن العصاة، وقبض الأرواح، وإزجاء السحاب، وحمل العرش وغير ذلك من الأمور الخارقة، والمعنى تحمله الملائكة إليكم – البحر المحيط 2 / 263.
[11780]:زيد من م وظ.
[11781]:زيد من م ومد وظ.
[11782]:من م ومد، وفي الأصل وظ: كما قال.
[11783]:من م ومد وظ وفي الأصل: سفين.
[11784]:ليس في مد.
[11785]:ليس في مد.
[11786]:في م: فيقاتله.
[11787]:في مد: لهم.
[11788]:في مد: فإن.
[11789]:ليس في م.
[11790]:في الأصل: بنت، والتصحيح من م وظ ومد.
[11791]:في م: أحمى، ولا يتضح في مد.
[11792]:من م ومد وظ، وفي الأصل: الأقرب.
[11793]:في ظ: تسجيع – كذا بالسين المهملة.
[11794]:من م ومد وظ، وفي الأصل: يندهم.